17.6.09

بين السفسطائية والموضوعية في نقد حماس !! ... قراءة متأنية


لا يشك احد بأن حركة حماس قد أضحت بسبب ثقلها السياسي والتنظيمي الآخذ بالتصاعد والزخم السلوكي " التجريبي " على كافة الاصعدة والمحافل عرضة للنقد والتحليل والدرس كظاهرة اجتماعية سياسية وفكرية لا يمكن غض الطرف عنها عند دراسة الشأن الفلسطيني والاقليمي .

كما يجب علينا أن نقر بأن حماس قد أضحت مادة دسمة لابد من دراستها كونها تمثل تجربة سياسية غنية سيكون لها مخرجات سترفد الحقل السياسي والنظرية السياسية والذي من بين ما يعنى به هذا الحقل الاحزاب والحركات والتكتلات السياسية .

وبالتالي من نافلة القول الإقرار بأن حماس أصبحت موضعا للبحث والتحليل والنقد المنهجي وغير المنهجي ، وتأخذ حيزا هاما في الدراسات السياسية والاكاديمية والمقالات والخطاب السياسي والاعلامي التي تتناول القضية الفلسطينية والمنطقة برمتها ، لكن ما انا بصدده هو تقييم التعاطي السفسطائي – المنطق المخادع- من قبل بعض الشخوص التي تصر على ان تضع نفسها في خانة النخب المثقفة والتي يفترض أن تتسم بتناولها القضية الفلسطينية والوضع الفلسطيني ومن ضمنه حماس بكل موضوعية وواقعية محضة .

جدلية التحليل الفلسفي والعلمي في حقل السياسة :

إن من أهم المعضلات التي تواجه علم السياسة باعتباره ظاهرة اجتماعية انسانية تعنى بدراسة السلوك السياسي الانساني هي كون الانسان ظاهرة غير مستقرة يصعب اخضاعها للدرس و الاحتواء في إطار من المبادىء والتعميمات الجامدة ، وهذا يقود إلى نسبية انماط التحليل السياسي " الفلسفي والعلمي – التجريبي – " في حكمها على الظاهرة السياسية ، فالتحليل الفلسفي يعتمد فقط على جملة من الانطباعات والمنطلقات المجردة لصاحب هذا التحليل في المقابل فإن التحليل العلمي " التجريبي " يستقي تصوراته واستنتاجاته من معطيات الواقع المعاش والتجربة الحية .

ومع افضلية التحليل العلمي فإن الجدلية القائمة بين التحليلين قد اخذت طابع تصارعي سيبقى يهدد موضوعية تناول الظواهر السياسية كونها مزيج من الشق المثالي – المتمثل بالمعتقدات والمبادىء والذي له دور كبير في ماهية السلوك – والشق السلوكي المادي .

وكون حماس ظاهرة سياسية بامتياز فقد عانت من التناول القاصر لها بين طرف حاول اختزالها بتعميمات وأحكام تتسق مع خلفياته الايديولوجية والفكرية وبين طرف تعامل بانتقائية ازاء السلوك والممارسة السياسية والعسكرية والاجتماعية لحماس دون وضعها كإفرازات لأنساق فكرية ايدلوجية سياسية تنتهجها الحركة على مدار 21 منذ تأسيسها عام 1987 ، كما لابد من التنويه لوجود عقبة تواجه دراسة الظواهر السياسية تتمثل في ضعف وندرة المعلومات وعدم الاطلاع على سير الامور بشكل مطلق .

ماهية المثقف وحقيقة تمثيله في واقعنا الفلسطيني :-

إن المثقف - كما يؤكد كبار الكتاب - شخصية يصعب التكهن بماهيتها وما ستقوم به في الحياة العامة ويصعب اختزالها في مذهب فكري جامد أو تلخيصها في شعار محدد أو حزبية ضيقة فمعياره في الحكم على الامور نابع من قضايا الشعوب ومظلومياتها ، وهو ايضا شخص يحمل قيم ومعاني سامية تجعله لا يقبل بأنصاف الحلول وهو شخص تتمثل مهمته في تحطيم قوالب الانماط الجامدة التي تحجر على العقول وعلى الفكر الانساني بشكل عام .

لكن ما نلاحظه في ساحتنا الفلسطينية في ضوء معرفتنا بماهية المثقف أن هناك محاولات غير جادة وذات طابع انتهازي دنيء أو شكلي ومثالي في أفضل الحالات لبعض الكتاب والمحللين الذي يحاولون جاهدين أن يصنفهم الشعب كطبقة مثقفة تتبنى القضية والهم الفلسطيني , فالطروحات التي يقدمها هؤلاء لا تتسم بالتناغم مع الدور الحقيقي الذي يجب أن يلعبه المثقف في مجتمعه ، فبعضهم ما زال يعيش في برجه العاجي يكتفي بتقديم نصائح وانتقادات مجردة يفشل هو بنفسه في ترجمتها على أرض الواقع كأنه تناسى أن الدور الحقيقي للمثقف ترجمة أقواله وآرائه على ارض الواقع ، وبعضهم يحاول أن يقف على الحياد في تناول الشأن الفلسطيني خاصة الشق الحزبي لكن هو نفسه يقع من خلال المؤشرات التي لاتخطئها العين في هذا الشرك المقيت لوجود قصور فكري أو انجرافه مع تيار الخلافات والتجاذبات الحادة والمحمومة ، وبعضهم إتخذ المسمى لتحقيق نواياه الخبيثة والتي تستهدف بعض الاطراف على حساب اخرى خدمة لفئات وتكتلات يتبين ان الكاتب محسوب عليها ضمنا او سراً والذي يقوم بمهمته معتمدا على الفزلكة الكلامية والمنطق المخادع – السفسطائي – ومتسلحا بوقائع ومواقف وتصريحات انتقائية ومحوّرة بدهاء وخبث .

لكن علينا ايضا الا نغفل وجود طبقة مثقفة بكل ما تحمل الكلمة من معنى وتحمل الهم الفلسطيني وتتناول الشان الفلسطيني والفصائلي على وجه التحديد بكل موضوعية يحكمها في ذلك صدقية سلوك تلك الحركات واتساقها مع حقوق وآمال وتطلعات شعبها ، ولكن لا يخفى على أحد الحملة الممنهجة لتغيب هؤلاء ولطمس وجودهم في ظل الصراع الفصائلي المحموم والذي لا يقبل من تلك الطبقة مجرد النقد أو تبني مواقف قريبة من أحد الاطراف .

محاولة وضع النقاط على الحروف وكشف زيف الكثيرين !!!!!

حماس ونقاط القوة :-

إن حركة حماس كغيرها من الأحزاب والحركات السياسية تمتلك نقاط قوة ويعتريها نقاط ضعف , وانا هنا بصدد التناول الموضوعي المقتضب لتلك النقاط ، والتي للأسف بات الجميع يلحظ المسلسل المفرغ من الاضاءات التي تطال بعضها والاغفال الذي يطال أخرى دون التناول الشمولي والمنهجي – والذي لا استطيع ان أقدمه او ادعيه للأسباب التي ذكرتها سابقا و لكن هي محاولة لمحاكاة الموضوعية قدر الامكان – رغم أنني اسجل هنا لكتاب قدموا دراسات تقارب الموضوعية في تناول حماس.

إن من أهم مميزات حماس تمتعها بدينامية عالية مكنتها وبوقت وجيز من لعب ادوار كبيرة على الساحة الفلسطينية والاقليمية ومن فرض ثقل سياسي لا يمكن اسقاطه من معادلة المنطقة وما يطالها من سياسات الكبار ودراسات أكاديمية في حقلي السياسة والاجتماع السياسي .

كما تتمتع حماس بوجود نمو مطرد في الممارسة والنضج السياسي عبرت عنه في كثير من التحديات والازمات التي استطاعت الحركة تجاوزها و خاصة عمليات الاحتواء والاقصاء والالغاء أو التهميش ، وهنا يجب أن لا نغفل البراغماتية ذات المححدات الايديولوجية والحنكة والمرونة العالية والتي استطاعت من خلالها حماس احداث اختراقات على الصعيد الدولي وعلى صعيد المقاربات السياسية والصياغات التوافقية - خاصة على صعيد البرنامج السياسي الفلسطيني رغم التباينات الفاضحة ورغم إفشالها من بعض الأطرف لأسباب يعرفها الكثيرون - مع الخصوم رغم العدائية الواضحة والتلويح بالعصى والذي تجلى اخيرا في الخطاب التاريخي للأستاذ خالد مشعل أمام البرلمان البريطاني وفي تصريحات الإدارة الأمريكية .

ايضا لابد من التنويه لوجود قدر كبير من وحدة الفكر والممارسة والانضباطية التنظيمية العالية وتمتع الحركة بوجود قاعدة خصبة تتسم بالديمومة لوجود جهاز تربوي واكاديمي على قدر كبير من المهنية والكفاءة وجهاز اجتماعي مؤسسي استطاع التغلغل في جميع قطاعات الشعب وتقديم خدمات كبيرة كان لها انعكاسات ايجابية على شعبية الحركة ، كما لابد من عدم اغفال امر جوهري هو امتلاك ايديولوجية شمولية مثلت وعلى الدوام حصانة فكرية وسلوكية للحركة على مدار وجودها ، كما لا ينبغي اغفال الناحية العسكرية والتي اثبت حماس باقتدار امتلاكها جناح عسكري كان له دور مركزي في انتفاضة الاقصى وفي الحرب الاخيرة .

حماس ونقاط الضعف :-

وهذه النقاط اسردها في محاور اربعة :-
1- محدودية الايفاء باستحقاقات التمثيل " النيابي " للشعب والتمثيل الحكومي وإدارة الشان الفلسطيني والذي لا يكفي تبريره تحت بند المؤامرة التي تواجها الحركة والتي لا ينكرها أحد .
2- وجود هوة بين التطور العمودي في الحركة – تطور القيادات في السلوك والنضج السياسي النخب والكوادر المميزة – والتطور الافقي " القاعدي" والذي بات يلمسه الجميع والذي تمثل في غياب التناغم بين تصورات القيادة وآرائهم – والتي اعتبرها ناضجة بشكل كبير - وبعض التصورات القاعدية ووجود افكار دخيلة احدثت تلون واضطراب فكري نلمسه جميعا ، لكن يتم الحد من تأثيره بمفاهيم تربوية كالطاعة والثقة .
3- وجود تناقضات بين الخطاب السياسي وبعض القضايا الفكرية التي تتبناها الحركة خاصة حيال العلاقة مع الغرب والذي تمثل بوجود مواد في ميثاق حركة حماس خاصة المادة 22 والتي تشكك في ثورات الشعوب الاوروبية – خاصة فرنسا وروسيا – ووجود ايدي يهودية خفية ورائها ! وبين تبني خطاب سياسي يريد اعتراف اوروربي باعتبار حركة حماس حركة تحررية تطمح لنيل الحقوق وبناء الدولة ، وبعبارة أخرى عدم تناغم شمولي بين الخطاب السياسي وبعض القضايا الفكرية التي تشكل جزءا من المرجعية الفكرية لها .
4- بعض المحاولات الرومنسية في الولوج للساحة السياسية الدولية والتي لا ترضى بالدخول المجاني بل تفرض جملة مواقف لابد أن تتبناها الحركة وتقف سدا امام تلك المحاولات وتتسبب في فشلها – وهنا لا أقصد تقديم التنازلات كما يتحدث بعض "المتفيقهين " السياسين واصحاب البراغماتية التفريطية بل أقصد غياب الحنكة والمراوغة أحيانا وغياب انتهاز الفرص والحراك الدبلوماسي الفاعل واللعب على وتر التحالفات والتناقضات الدولية .
5- وجود تعبئة خاطئة لدى بعض قطاعات الحركة وغياب التثقيف الحزبي وسيادة الخطاب الحماسي – المغرق بالقداسة والرهبة - والذي يجافي الواقع في كثير من الاحيان .

خلاصة هامة :-

إن حركة حماس تمثل تجربة خصبة لابد من دراستها بكل موضوعية كونها تمثل نموذجا لفهم الحالة الفلسطينية – والاقليمية ايضا - ومحاولة النهوض بها بعيدا عن فهمها في إطار ضيق يتمثل بالاراء والمعتقدات الشخصية والتجاذبات الحاصلة وايضا بعيدا عن الحرب القائمة بين الايديولوجيات المعاصرة و " النهج السياسي الاسلامي " .

كما لابد من دراستها في ضوء الاقرار بان حماس حالة جديرة بالدراسة كونها استطاعت في عقدين فقط من الزمن أن تصبح لاعبا هاما ومؤثرا وصانعا لأحداث مفصلية تخص الشان الفلسطيني والاقليمي وتساهم في رسم شكل المنطقة سياسيا وفكريا وقلما حدث ذلك لحركة أو حزب سياسي وهذا يتطلب وجود مثقفين واكاديميين على قدر كبير من الكفاءة والمهنية بعيدا عن الآفات التي ذكرت سابقا .



عامر سعد
للإطلاع على التفاصيل

الهباش في ضوء التحليل السياسي والسكيولوجي






خرج علينا قبل ايام المدعو محمود الهباش بتصريح صاخب ارتدى طابع الصلف والغطرسة والانتقائية الساذجة لمفردات ذات هالة و قدسية على الصعيد الوطني والايديولوجيا الدينية في وقت كان الكل الفلسطيني ينتظر خطابا مسؤولا من الفرقاء السياسين يسهم في رأب الصدع وإعادة اللحمة وعدم الاستمرار بترهات تؤدي الى ارتكاسات جديدة تزيد وضع القضية سوءا وليس لها هدف سوى اشباع النزوات العاطفية لبعض الشخوص هنا أو هناك .

لكن لم تكن هذه التصريحات مستغربة على شخص عرف بعدوانيته المشبوبة لحركة حماس ، تلك العدوانية التي لا ينكر متتبع لها بأنها تندرج في سياق الردود المرضية والناجمة عن سلوك سكيولوجي " نفسي " مضطرب فرضته الابعاد التاريخية لعلاقته بحركة حماس والتي بقيت حاضرة في ذهن هذا الرجل والمتخيل اللاشعوري له والتي رسمت جل سلوكه وخطابه السياسي للأسف ، ضاربا بعرض الحائط كل التحديات الماثلة امام شعبنا وقضيته وباستخدامه منصبه كوزير لشؤون الاجتماعية في الضفة بتنويم الناس عن تلك التحديات الجسام بخطاب ديماغوجي " عاطفي كاذب " ومال سياسي يصرف انظارهم عنها ويختزلها فقط في شتم حماس وكيفية التخلص منها 0

كما ان هذا التصريح اعاد لذهني تلك العبارات الحاذقة والبارعة الوصف لهذه النوعية من الشخوص والتي خطها المفكر الكبير فتحي يكن والاسير الاردني السابق سلطان العجلوني وكتاب آخرين في معرض حديثهم عن الفئة التي تتعرض للاقصاء من حركات معينة – بغض النظر عن الاسباب والدوافع – لتصبح مع مرور الزمن وبعد عملية الاحتواء لها من احزاب اخرى تعيش على الفتات احصنة لعرابتها المهترئة ، لكن ليت هذا الشخص برع في لعب دور الاحصنة هنا فقد كشفت رعونته عن حقيقة الطرف الذي يمثله ونواياه الحقيقية من قضية المصالحة ورافعا الستار عن وجود فصول جديدة من المؤامرة التي تحاك ضد حماس مما وضعهم في موقف حرج وسيل من الانتقادات من قبل كافة التنظيمات الفلسطينية الاخرى .


ماهية التصريحات في علم السياسة :-

لعل الجدلية التي اعقبت هذا التصريح بين طرف مقلل من شأنه وطرف يعتبره على درجة عالية من الاهمية هو ما دفعني لتبيان اهمية التصريحات في علم السياسة ومحاولة فهم تلك الجدلية وحلحلتها .

لقد أولت السياسة للغة التصريح السياسي اهمية كبيرة جدا باعتبارها مكافئة للسلوك السياسي ومعبرة عنه وايضا في حقل العلاقات العامة - احد مجالات العلوم السياسية – وفرعها الاهم الدوبلوماسية والتي تعتبر لغة التصريح السياسي حجر زاويتها ومعيار نجاحها .

ولعل تلك الاهمية لم تأت من فراغ بل كانت تعبيرا عن وعي كبير حول دور التصريح السياسي وعبر التاريخ السياسي البشري في اشعال حروب وفتن تارة وفي احداث قطيعة بين الدول تارة اخرى وفي الاطاحة بنظم سياسية واحداث انتكاسات على كافة الاصعدة بحيث اصبحت لغة التصريح السياسي وما تحمله من مدلولات كبيرة احدى أهم أركان فهم الظاهرة السياسية وتحليلها .


ابعاد ومدلولات تصريح الهباش :-

وفي ضوء ما تقدم لا بد من اخذ هذا التصريح على محمل الجد وفهم ابعاده ومدلولاته فهما دقيقا كونه يساعد على فهم ماهية السلوك الحاضر والمستقبلي للنظام القائم في الضفة حول مجمل القضايا وأهمها المصالحة الداخلية .
فالهباش باعتباره وزيرا في نظام سياسي كان يجب ان تنسجم تصريحاته واقواله مع توجهات وتصورات ذلك النظام ناهيك عن كون التصريح السياسي من قبل اي وزير يعتبر مؤشرا على طبيعة السلوك السياسي للحكومة التي يمثلها وهذا يقود الى ان التصريح الاخير والذي يدعو الى اسقاط حكم حركة حماس يحمل المدلولات الآتية :-

اولا :يؤكد على عدم اهمية الحوار وكونه خيارا تكتيكيا وليس استراتيجيا لذلك النظام ولخدمة مصالح ضيقة ومرحلية بخلاف المعلن عنه من ذلك النظام وابواقه الاعلامية باعتباره ضرورة ملحة لها انعكاساتها على القضية الفلسطينية وادوات صمودها .

ثانيا : يدلل على وجود فصول جديدة من المؤامرة التي تستهدف غزة ومن يحكمها فطبيعة الاصطفافات في المنطقة والمحاور المنبثقة عنها تختزل السلوك والممارسة السياسية فيما بينها بحالة صلح او حرب ويدلل على طبيعة الدور الذي يلعبه النظام في الضفة حيال استمرار حصار غزة والتلويح بالعصى لمن يحكمها .

ثالثا : كما ان التصريح فتح الباب على حقيقة العلاقة التي تربط الحركتي وسيادة السلوك الاحلالي والتآمري على تلك العلاقة والتي اوضح التصريح حقيقة من يقف وراء رسم تلك العلاقة بهذه الصورة القاتمة والمخجلة والقائمة والذي يتنافى مع التصريحات الرومانسية حول الوحدة والكيانية الواحدة وطبيعة العلاقة التوددية والأخوية التي يجب ان تسود بين الحركتين وخاصة من طرف النظام القابع في رام الله .

رابعا : إن التصريح جاء في مقابلة مع إذاعة صهيونية مما يؤكد الدور الصهيوني الهام والفاعل في استمرار الانقسام وايضا باعتباره السيد الذي يجب أن تقدم أمامه فروض الطاعة للقبول السياسي والانطلوجي " الوجودي "لأي شخص أو فئة سياسية في النظام القائم في الضفة .


مستقبل الحالة الفلسطينية عقب هذا التصريح :-

لعل هذا التصريح فتح الباب على مصراعيه أمام المزيد من الاحتقانات الداخلية وتأجيج الوضع الداخلي وزيادة الهوة وإدامة الانقسام الجيوبولتيكي بين شقي الوطن مما يخدم المحتل وسياساته الرامية لإدامة هذا الانقسام , ناهيك عن دوره الكبير في التعبئة السلبية والتي ستؤدي الى صعوبة انهاء تفسخ النسيج الاجتماعي واستمرار الحرب الاعلامية والتي لها انعاكسات سلبية على صورة هذا الشعب اقليميا ودوليا ويفقده الهالة والتأييد الكبيرين اللذين حظي بها شعبنا على مدار تاريخ نضاله الممتدة لعقود .

وأخيراً أقول لا بد لعقلاء " النظام القائم في الضفة " أن يلجموا النزوات العاطفية لهذا الشخص بنظرات العقول والحاجة الماسة لإعادة اللحمة والتي بدونها سيصعب اعادة الحقوق الفلسطينية وإقامة الدولة المنشودة والصمود أمام التحديات الجسام وأهمها الحكومة الصهيونية اليمينية والتي تسعى بكل قواها لطمس الهوية السياسية والحضارية لشعبنا .




عامر سعد
للإطلاع على التفاصيل

النكبة ....... وجدلية الحدث التاريخي والظاهرة المتجذرة



لعل عبارة التاريخ يعيد نفسه ستبقى تلقي بظلالها الثقيلة على الحالة الفلسطينية وترسم أبرز ملامحها ذات الطابع المأساوي والباعث على الأسى والحسرة ، فبعد واحد وستون عاما ما زالت فصول المعاناة والألم والذاكرة الحالمة والحنين الأزلي ماثلة في وجدان كل فلسطيني .

فتلك العقود الستة الزاخرة بشتى صنوف العسف الصهيوني والتخلي العربي والتواطىء الدولي لا تزال قائمة وما انفكت تهدد كينونة هذا الشعب وهويته السياسية والحضارية ومازال شعبنا يصارع الوجود وحلم الكيانية رغم رزوخه تحت وطأة هذا الاحتلال البغيض والذي يعتبر وصمة عار في جبين العالم الحر الذي باتت مفردات التحرر والانعتاق أبرز ملامحه والمسيطرة بشكل أوتقراطي لغوي – دكتاتورية المصطلح - على خطاباته وأجندته التي أثبتت سيروة الاحداث انه قد أضحى عالما افتراضيا هلاميا لا أكثر .


خلفيات وأسباب نكبة 48 :-

إن من نافلة القول التاكيد على ان المنعطفات الكبيرة التي تطال المجتمعات البشرية سياسيا او ديمغرافيا ليست وليدة اللحظات التحولية فقط بل تعد ثمرة إرهاصات ومخاضات وتفاعلات عاشتها تلك المجتمعات بفعل عوامل داخلية وخارجية كما أقرت بذلك السوسيولوجيا الدينامية – الفرع الذي يهتم بالتحولات المجتمعية – وعلم السياسة والاجتماع السياسي والتاريخ السياسي البشري ونواميس الحياة بشكل أعم وأدق .

وفي حالتنا الفلسطينية كانت النكبة الحاصلة عام 48 – والتي أدت الى طرد اكثر من 800 ألف فلسطيني وتدمير أكثر من 430 مدينة وقرية - والتي مازلنا نرزخ تحت تبعاتها وما افرزته من ظروف موضوعية نتاجا لعوامل ثلاثة وقفت حائلا امام بقائنا على أرضنا وعدم ضياعها وأدت إلى تشتتنا في أسقاع الارض بلا هوية ولا كيانية ومكابدتنا للويلات عبر 6 عقود كاملة .

فالقيادات المرجعية الفلسطينية " الاقطاعية –الاكليركية والرجعية " والانظمة العربية والصهاينة وحلفاؤها الامبرياليون هم من صنعوا نكبتنا واجهضوا مقاومتنا على كافة الاصعدة , فالقيادات المرجعية الفلسطينية وبفعل تشرذمها وتصارعها وبفعل تغليب مصالحها ذات الطابع الاقتصادي وعدم وضوح الاهداف الاستراتيجية وتبلور المفاهيم الفلسطينية في تلك العقول أدت إلى اضعاف الجهد الشعبي والوقوف امام محاولات انتقال الحالة الثورية الجهادية على البنية الفوقية للحركات الوطنية وترجمتها على أرض الواقع من خلال جملة من عمليات الاقصاء والاجهاض للثوارت والفعل المقاوم برمته , فبيان الشجب لثورة البراق كان فلسطينيا محضا ومن أجهض ثورة 36 كان ايضا فلسطينيا لاهثا وراء وعود هنا وهناك ، أما النظم السياسية العربية فلقد كانت ومنذ بداية التجلي الصهيوني على ارضنا متواطئة ومنسلخة عن عروبتها فمن محادثات الشونة بين النظام الاردني مع الصهاينة إلى الضغط على قيادات ثورة 36 إلى المظاهرات العسكرية الهلامية في حرب 48 رسمت تلك النظم دورها وماهيته إزاء قضية ما فتئت تتغنى بها وتستخدمها سلعة واداة رخيصة لنزواتها وطموحاتها الداخلية لا غير ، اما العامل الثالث فلن اتحدث عنه فهو غني عن التعريف ويقوم بلعب دور كلاسيكي لأي احتلال " احلالي " في التاريخ البشري والذي كان وعلى الدوام يتسم بالعسف والغطرسة والهمجية ومتخما بحب القتل وحب العيش على انقاض و ألام ودماء الاخرين .


ما أشبه اليوم بالامس :-

واليوم مازالت تلك العوامل ماثلة في واقعنا الفلسطيني ومازالت تتفاعل لتزيد وضعنا سوءا وإن كان بعضها قد ارتدى طابعا وأثوابا جديدة ، فالإقطاع العشائري والقيادات الرجعية تحولت لإقطاع سياسي وممالك ذات طابع انتهازي تمثلها حركات واحزاب بعينها فاقمت وضعنا الفلسطيني سوءا وتفسخا وقادتنا وببرنامج هزيل وفاقد للأفق لنفق تنازلات مظلم لم يبق لنا سوى الفتات وبقع جغرافية تكاد لا تراها العين المجردة ! وايضا تصر على لعب دور الاجهاض والمحاربة للفعل المقاوم كما كان الحال لثورة 36 تحت ذرائع الوعود والعبثية والتداعيات الخطيرة لهذه المفاعيل !!!! فالآفات اذا كما هي عدم وضوح الاهداف الاستراتيجية وتغليب المصالح الحزبية والفئوية الضيقة والارتهان الخارجي أضحت قوام الحالة الفلسطينية .

أما النظم العربية فهي الأخرى حافظت على ادوارها المعهودة لكن بأنساق جديدة وأكثر تجليا من الخيانة الواضحة والتواطىء الفاضح والمشاركة في قتل هذا الشعب وحصاره ومتخلية حتى عن الغلالة التي كانت تحمي سوءتها وهي المظاهرات العسكرية والشعارات الفضفاضة في موقف يدعو للتأمل في واقع عربي مرير نهشت في جسده المخططات الامبريالية بكل قسوة .

اما العامل الثالث فهو ايضا زاد من وحشيته وغطرسته وسارع من وتيرة تنفيذ مشاريعه ومخططاته مستفيدا من واقعنا الفلسطيني الضعيف والذي يعاني من الآفات السالفة الذكر ومن الواقع العربي المتواطىء واللاهث وايضا من الدعم الامبريالي الذي يجد في العدو الصهيوني الاداة الضرورية لاستمرار السبات العربي الازم لنهب مقدراته وثرواته ، والأنكى أن هذا العدو الذي يستمر يوميا بفرض وقائع جيددة على الارض وفي نهب كل ما تقع عليه عيناه من الثروات المتبقية في ارضنا ومستفيدا من البراغماتية التفريطية لبعض القيادات الفلسطينية حتى وصلنا لأقل من 10% من ارضنا فعليا تنذر بدولة فاتيكان جديدة .


استخلاص العبر قبل فوات الاوان : -

في ضوء ما تقدم لابد من مراجعات فلسطينية شاملة على قاعدة من لا يعرف تاريخه لا يحسن صياغة مستقبله ولابد من اعادة الاعتبار لدور الكفاح المسلح والذي يتعرض لعمليات تشويه والغاء تحت ذرائع نظرية ورومانسية مستقاة من العالم الافتراضي الحر " والمعولم " ولا بد من وضع برنامج فلسطيني تتضح فيه الاهداف الاستراتيجية وتحل به الجدلية الاستراتيجية التكتيكية ولابد من اعادة زرع منظومة قيمية واصطلاحية تؤكد على ضرورة الوحدة ونبذ الخلاف وتغليب المصالح الوطنية ورفض الارتهان بالخارج والتمسك بالثوابت والحقوق وأن نستخلص العبر من التاريخ بأن المشروع المقاوم هو الكفيل بتحرير الشعوب ولنا في الثورات السابقة التي تعج بها كتب التاريخ السياسي أكبر عظة وعبرة .

واخيرا تمر ذكرى نكبتنا الواحدة والستون كسابقاتها من السنين على امل العودة واقامة الكيانية ذلك الأمل الذي بدء يأخد منحنا مختلفا هذه المرة ، فما يسترعي الاهتمام في العقد الاخير تصاعد وتيرة الصراع المحموم بين البرنامج المقاوم والبرنامج المساوم والذي سينذر في حال انتصار البرنامج المقاوم – والذي ولأول مرة تحول لمشروع متكامل خاصة على الصعيد السياسي والنيابي - إلى تغيير جذري في الواقع الفلسطيني وإلى قرب اسدال الستار عن فصول مسلسل النكبة الذي ظن البعض بأنه أزلي ! .



عامر سعد

للإطلاع على التفاصيل

الأوتوقراطية .. مرض يرسم تاريخ فتح وحاضرها !!





لعل الأحداث الاخيرة دعتني لكي أعود وأنفض الغبار عن أوراق أضحت مهترئة ومن الماضي أو إن صح التعبير خردوات نخرجها من غياهب الظلام لتربطنا بالماضي السحيق ، فهذا هو حال النظام الاساسي لحركة فتح وكراساتها التنظيمية في ظل واقع فتحاوي ارتدى طابعا متنكرا لكينونته وهويته الحقيقية .

فعندما بدأت بتصفح النظام الاساسي لفتح استملكتني للحظات نشوة افتعلتها تلك المصطلحات والعبارات البراقة التي احتواها ذلك النظام خاصة - بما يتعلق بالاسس والمنطلقات الحزبية والحركية المثالية - لكن ما لبث الأمر أن تغير عندما حاولت اسقاط هذه الصياغات والقواعد المفعمة بالمنطلقات المثالية على تاريخ المسلكية التنظيمية لحركة فتح على امتداد ما يقارب الخمسة عقود , هذه الصياغات والمنطلقات التي أضحت حتى في عرف فتح هرطقات ويوتوبيا خطتها ايدي كتاب هذا النظام والذين لا أجد لهم سوى مصطلح " الافلاطونيون الجدد " ليوصف حالهم الباعثة على الشفقة والأسى .


مصطلحات يعلوها الغبار !

لعل معيار نجاح الاحزاب والحركات يكمن في تجسيد مجموعة من القواعد والمنطلقات التي تشكل ابجديات لا بد لكل تنظيم تكريسها في مؤساسته وكوادره ، فالمركزية الديمقراطية والقيادة الجماعية والعمل المؤسسي والنقد البناء والمرجعية الفكرية والانضباط التنظيمي تشكل أحد اهم اسباب نجاح الاحزاب والحركات والذي يتمثل في الوصول للحكم باعتباره الهدف الاستراتيجي لها وأن تحظى بتأييد االشرائح المجتمعية كونها تعبر عن آمالها وتطلعاتها وتسعى لتحقيقها بكل الوسائل المتاحة .

لكن لعل تلك الامور لم تكن سوى شعارات جوفاء تمترست خلفها حركة فتح واستخدمتها فقط عندما تحين الاستحقاقات الانتخابية والمناظرات الحزبية لا أكثر ولم تعكس نفسها على خطاب وممارسة حركة فتح والتي طغى عليها وأضحى عنوانها الاوتوقراطية كمصطلح يصف حالة الشخصنة التي طغت عليها خاصة منذ سيطرتها مع باقي التنظيمات على منظمة التحرير الفلسطينية منذ اواسط عام 1968 وإلى الآن .

فقد اختزلت نضالات فتح والكفاح المسلح برمته بالنخب البيروقراطية الضئيلة التي افرزهتا الحالة الثورية والتي تحولت مع الزمن ايضا لمجرد شخوص تتحكم في الساحة السياسة الفلسطينية دون رقيب أو حسيب , وايضا قامت بتعطيل المؤسسات – العمل المؤسسي - التي شابهت مؤسسات الدول المستقلة وانتهجت ممارسة فردية أدت بنا إلى كوارث وانفاق مظلمة شتت الجهد الفلسطيني وافقدتنا كثرا من حقوقنا وثوابتنا .


موجز تاريخي للمرض !
لن ادعي المعرفة الطبية هنا لكن لتشخيص أي حالة مرضية لابد من معرفة دقيقة لتاريخ المرض وتطوره وابرز تجلياته على الكائنات – أو الهيئات - التي يصيبها ، وعلى ضوء ذلك فإن تاريخ هذا المرض الذي استبد بفتح برز منذ بزوغ شمس الرئيس الراحل ياسر عرفات – الذي لا يستطيع أحد إنكار تضحياته الكبيرة - على مسرح الاحداث بقوة وامساكه بزمام الامور في حركة فتح ، والقارىء لتاريخ القضية يلمس ذلك بشكل كبير ، فما تمتع به عرفات من كاريزما وقدرات أدت إلى كسب تأييد كبير مكنه مع مرور الوقت بالاستئثار بالقرار الفتحاوي بل والفلسطيني برمته - باعتبار فتح كبرى فصائل منظمة التحرير – والذي توّجه الرئيس الراحل " بسياسة الاحتواء والعداء " إزاء معارضيه داخليا وفي الحركات الفلسطينية الاخرى مما أدى لفرض رؤاه وتصوراته على البرنامج والسلوك السياسي الفلسطيني .

وتكرست تلك الاوتوقراطية على الساحة الفلسطينية بطرح وتبني مجموعة من البرامج والحلول التي كانت في جوهرها تنازلية وذات انعكاسات مأساوية على القضية الفلسطينية والتي ادت لبروز جبهة الرفض في حقبة السبعينات وحماس والجهاد في حقبة التسعينات والتي عارضت فرض الحلول والرؤى من قبل ياسر عرفات .

كما وأدت سياسات ياسر عرفات في تلك الحقبة وما بعدها إلى حدوث انشقاقات وجملة من المعارك " الجانبية " والتدخلات في الساحات العربية – دون إغفال للعوامل الاخرى التي ساهمت في صنع هذه الاحداث بطبيعة الحال - والتي ازالت الهالة عن القضية الفلسطينية و أضعفت الزخم الثوري الفلسطني وعملت على تبدده وضياعه خاصة بعد عام 1982 واستمر الحال مع بداية العملية السلمية والتي لعب الرئيس الراحل الدور الاساسي فيها دون مبالاة باعتراضات التنظيمات الفلسطينية الاخرى ليصل الامر لحذف مواد في الميثاق الوطني الفلسطيني وضياع جزء كبير من الارض الفلسطينية .

وقبل استشهاده بسنوات قليلة دخل ياسر عرفات في صراعات للبقاء على كرسي السيادة خاصة عندما حاول محمود عباس وبدعم خارجي من سحب البساط من تحت أرجله ، والتي كللت اخيرا بالنجاح وبوفاة عرفات في ظروف غامضة ، وبعد وفاة عرفات ورثه محمود عباس والذي تكرس في عهده المرض وازداد انتشارا واتخذ اشكالا أشد مرارة وقسوة على واقعنا الفلسطيني لم يكن ليرضى بها الرئيس الراحل رغم ما يعانيه عباس من ضعف وبروز ظروف موضوعية اهمها بروز حماس على المسرح السياسي بقوة .


حاضر ومستقبل المرض على الوضع الفلسطيني :-


لعل هذا المرض كغيره من الامراض آخذ بالتطور وهذا ما أكدته المرحلة الحالية فلقد أدى سلوك عباس الاوتوقراطي إلى توهان البوصلة الفلسطينية وإلى احداث الانقسامات وتكريسها في الواقع الفلسطيني والذي كان آخرها فرض حكومة جديدة اعتبرت المسمار الاكبر في نعش المصالحة ومحاولة رأب الصدع وتوحيد الجهد الفلسطيني وإلى الحيلولة دون انعقاد المؤتمر السادس لحركة فتح حتى يكون على قياساته ويخدم مصالحة ويكرس نفوذه غير آبه بالوضع الفلسطيني والتحديات الماثلة امامه والتي تهدده انطولوجيا " وجوديا " .

و إذا لم يتم معالجة هذا المرض بشكل عاجل من قبل الجسد الفتحاوي المخلص والشريف فإن ذلك المرض سيزيد الامور سوءا وينذر بعواقب وخيمة تطال الكل الفلسطيني باعتبار حركة فتح حركة فلسطينية تمثل شرائح كبيرة من شعبنا ولها تضحياتها ومفاعيلها على الساحة الفلسطينية .

وأختم بالقول أن التاريخ لم يسجل ان نزوات الاشخاص وتصوراتهم أضحت قدرا ملازما للشعوب وايضا رغم ان الاوتوقراطية عدوة الشعوب فإنها لا تدوم بوجود نخب وتجمعات وشرائح تحمل هموم هذا الشعب وتسعى لحلحلتها بعمل مؤسسي سياسي واجتماعي بامتياز
.



عامر سعد

للإطلاع على التفاصيل

مورفولوجيا السلوك الخياني وسيرورة تطوره






لعل الخيانة من الظواهر القليلة التي واكبت التاريخ البشري برمته واثرت بقوة على سيرروته وصنع احداثه حتى اضحت عاملا مهما في حقل السوسيولوجيا الدينامية والتي تعنى بدراسة التغيرات التي تطال المجتمعات كون الخيانة اثرت وبشكل كبير في إحداث المنعطفات التاريخية والاجتماعية والسياسية الكبيرة .

كما ان مخرجات التجربة الانسانية لم تخل من التطرق لهذه الظاهرة - في مجمل الحقول - واخضاعها للبحث الفلسفي والعلمي ، وايضا الرسالات والكتب السماوية سلطت الضوء على تلك الظاهرة وأخص بالذكر هنا اعظم كتاب ارسله الله للبشرية " القرآن الكريم " والذي احتوى على 16 مرة لكلمة الخيانة ومشتقاتها مما يدلل على اهمية تلك الظاهرة وعدم اسقاطها من التشريعات السماوية بل والاهتمام بوضع حلول لها عبر جملة من الاحكام التي احتوتها تلك الكتب العظيمة معطوفا عليها الاوامر النبوية حيالها .



مورفولوجيا ومفهوم الخيانة في ضوء حركة التاريخ :-

برزت الخيانة ملازمة للطبيعة البشرية باعتبارها انعكاسا لبعض الطبائع السلبية والتي في جوهرها كانت انتهازية ونفعية شخصية ونتاج مؤثرات العلاقات والتفاعلات المجتمعية ، وحديثا لم تختلف الدوافع المكونة للخيانة باعتبارها ثابتة نوعا ما – حتى لا نقع بسذاجة ميكافيللي الذي اكد على ثبات الطبيعة البشرية - لكن دون اغفال أن الظاهرة تطورت شكلا ومضمونا وماهية وسلوكا .

لكن كون الخيانة سلوك وممارسة "وحديثا " نسقا فكريا متكاملا جوهره الانسان والذي يوصف بأنه ظاهرة غير مستقرة لا يمكن اخضاعها للقوانين المادية " الطبيعية والفيزيائية " فإن الخيانة ظلت ظاهرة و مصطلحا مبهما و متغيرا و يرزخ تحت وطأة التحوير وتتقاذفه تعقيدات الحياة المطردة والمتغيرات الفكرية والسياسية والسلوكية للجماعات البشرية والبعد المصلحي الانتهازي الضيق لبعض المتنفذين عبر التاريخ .

لكن بقيت الخيانة كمفهوم إلى العصر الوسيط تحتفظ بأهم ملامحها والتي قاومت كل محاولات افراغها من محتواها الحقيقي ومضامينها الاساسية وبقيت متجذرة بالمدركات البشرية إلى الان ، فالخيانة ظاهرة اجتماعية سلبية ينسلخ فيها فرد او مجموعة افراد او هيئة عن جماعة تربطهم بها علاقات اثنية او تاريخية أو وطنية او ايديولوجية للعمل مع عدوها الذي يهددها انطلوجيا واقتصاديا وعلى كافة الصعد مما يهددها ويهدد مصالحها .

وفي العصر الحديث تعرضت الخيانة لمحاولات ممنهجة و جادة وكبيرة وذات طابع دنيء طالت الشكل والمضمون فلم تعد مفهوما كلاسيكيا واضح المعالم بل أصبح مصيرها كمصير كثير من المصطلحات التي ألبست اثوابا جميلة لتخفي قبحها وانعكاساتها التدميرة على الحضارات البشرية فكما الرابا اصبح فائدة !! فالخيانة أريد لها أن ترتدي اثوابا كثيرة منها ، " التعاطي مع الواقع " الذي يفرضة العدو، واضحت " السلوك الايجابي والتقدمي " وعدم التزمت والعدوانية ازاءه ، وأضحت " سحب الذرائع وكبح الجماح " أمام هجماته ، وأضحت " العيش المشترك وتبادل القبلات " كسلوك حضاري تنتهجه الشعوب الحديثة ! وبلغة أخرى أصبح التعاطي المريب مع المحتل حنكة وحذاقة تقي من الشرور والعمل مع العدو – الذي هو جوهر الخيانة – أصبح ضرورة موضوعية واجبة !! .

وهذا يقود إلى أن الظاهرة قد اختزلت وحرفت لتصبح سلوك غائي يهدف لجلب المنفعة بصرف النظر عن الطريقة والسلوك وايضا صراع جدوى ونضوج بين الرؤى والمشاريع التي تسعى لرقي الشعوب بصرف النظر عن الميكانيزمات " الآليات " المستخدمة ولو كانت بالتماهي مع المحتل وتقاطع الاجندة معه وتنفيذ ارادته ومشيئته !! وبين المشاريع التي تنشد ذلك بالمقاومة وطرد المحتل الذي هو سبب المصائب والمكائد ولو كان على حساب منافع آنية لا تسكر الا البعض .


الخيانة من الاستئصال إلى التمثيل والمشروعية :


وبما أن الظاهرة مرت بمتغيرات وعمليات حرف وتجميل فإن طبيعة التعاطي معها مرة ايضا بنفس الاطوار واعترته ذات الظروف ، فبداية كانت حتمية الموت والتنكيل والتشهير تنتظر كل خائن – كان فرد او هيئة - او في أحسن الاحول الطرد والاحتقار ، لكن مع تطور الظاهرة وكونها أضحت نسقا فكريا ومجموعة من المفاهيم والتصورات ويتم ممارستها عبر هيئات وتكتلات سياسية ومجتمعية وتحظى بتأييد شرائح مجتمعية بالتضليل والمال السياسي أصبح التعاطي القديم فاقداً للشرعية الاخلاقية والقيمية والحضارية ! ، وباتت لغة الاشتباك السياسي والفكري والاعلامي ترسم علاقة التعاطي مع تلك الظاهرة مما أكسبها شرعية وتمثيلا مجتمعيا وتكريسا لنهجها وممارستها تحت شعارات الحياة الديمقراطية والاجتهادات السياسية ووجهات النظر بل ووصلت الامور انحدارا لدرجة أن تصبح خطا وطنيا بكل ما تحمل الكلمة من معنى !

كيفية القضاء على الظاهرة :-


لعل الظاهرة في اطوراها الاخيرة والتي أكتسبت خلالها الشرعية والتأييد وأضحت خطا وطنيا !! وايديولوجيا لقطاعات وزمر بشرية وأضحى معتنقوها يقابلون بالمديح والاطراء من البعض ولهم ثقل سياسي وفكري وفي كل مناحي الحياة ، كان لابد من وقفة جادة وتغير في التعاطي مع هذه الظاهرة الاخيرة وعدم الاكتراث بالمفاهيم المكبلة والشعارات الزائفة والمحددات القانونية الهلامية والمريبة ولابد من عمل جاد يرتدي طابع الثورة باعتبارها مفهموما وسلوكا يرمي لاحداث تغيرات جوهرية وجذرية ولا بد من انتهاج سياسة الالغاء والتقويض للمشاريع المنبثقة عن تلك الظاهرة ولنا في التاريخ الحديث أكبر عبرة خاصة في التجربة الصينية والتي هزم فيها الحزب الشيوعي الحزب الوطني الخائن والمتحالف مع الامبريالية عبر حرب داخلية دون الاكتراث بالاعتبارات والمفاهيم المصطنعة من البعض وايضا التجربة الفيتنامية وغيرها الكثير .

أما انتهاج سياسية وديعة وسلمية اتجاه هذه الظاهرة فإنه ينذر بالمزيد من الإنحدار وهدر الحقوق والمنجزات لكافة الشعوب التحررية او المعتدى عليها او التي تنشد رقيا والقبول المجحف في البقاء في الحضيض وتقويض كل المشاريع النهضوية التي تنشد عزا وتمثيلا حضاريا فاعلا ينهي عصور الظلام .




عامر سعد
للإطلاع على التفاصيل

قلقيلية ..... مصارع اللئام وعزة القسام



هو مشهد قديم جديد من مشاهد الخسة والخيانة التي دأبت على رسمه أيدي سوداء مأجورة في صفحة هذا الشعب المجاهد المكلوم ، مشهد ندت منه رائحة كريهة زكمت أنوف كل وطني وشريف في هذا الشعب ، ولكنه ايضا مشهد احترافي وبامتياز !! فلعلنا لن نجد مشهدا ذا ملامح واضحة و مدلولات فاقعة بعيدا عن الابهام والتعقيدات كهذا المشهد ولعلنا لن نجد أكثر منه واقعية ، فلا رتوش هنا ولا وجود للكليشهات الزائفة ولا وجود للرموز ولا حتى للسريالية فكل شيء واضح جلي لا يسمح لأي جهة او شخص بالقراءة خارج نصه أو الاجتهاد بعناصره !! .

فما حصل في قلقيلية من احداث دامية راح ضحيتها اثنان من أبرز قادة كتائب القسام - لطالما حلم الكيان الصهيوني باصطيادهم - هو وصمة عار جديدة في جبين اتباع دايتون والنهج الخياني البوليسي ، وهو ايضا فصل جديد من فصول الكتاب الاسود ذائع الصيت ، ذاك الكتاب الذي ما زالت تعلب الادارة الامريكية والصهاينة دور المؤلف فيه والأبطال تاركة لفريق رام الله دور الاداة الرخيصة التي لا وزن درامي "سياسي " لها سوى كونها اداة تنفيذية لا اعتبار لها ولطالما اسقطها التاريخ من صفحات العظماء والشرفاء
.


البعد السياسي والعسكري خير من حلل المشهد وفضح الأكاذيب :-

وعلى ضوء ما تقدم يتضح لنا أن المشهد او الفصل يندرج في سياق فاضح من الاجراءات والخطوات المبنية على جملة من الاتفاقات والتفاهمات المعلنة والسرية الموقعة بين تيار عباس والعدو الصهيوأمريكي والتي تستهدف مشروع المقاومة " الارهاب " مقابل وعودات بحماية ذلك الفريق وإبقاء الشرعنة على تمثيله " للوجود الفلسطيني " والتي كان آخرها الوعودات المقدمة من اوباما لعباس في واشنطن والتي كانت بمثابة الشرارة لبدء الاحداث الاخيرة .

ولعل هذه النتجية اضحت بديهية ولم تعد اتهاما او جزء ا من التنظير الحزبي العاطفي بأية حال ، فمسلسل الاتفاقات السلمية الموقعة والتي كان آخرها خارطة الطريق يشهد بذلك ، فالمرحلة الاولى من الخارطة – التي أضحت الأرضية لأي حل مستقبلي - تدعو لمحاربة الارهاب وتفكيك بناه وهذا ما يحصل فعلا في قلقيلية وكل مدن الضفة ولعل قيادات تيار عباس لم تعد لديهم غضاضة في تأكيد ذلك ، وهذا ما فعله حسين الشيخ أمين سر حركة فتح في الضفة عبر الاذاعة الصهيونية وهذا ما فعله مسئول عباسي كبير عبر ادلائه بتصريحات لصحيفة ايديعوت احرنوت الصهيونية ،وهذا يقود إلى تكذيب رواية الاجهزة الدايتونية حيال ماهية الاحداث في قلقيلية ومن يقف وراءها، باعتبارها اجراءات طبيعية تهدف لتطبيق مراحل خارطة الطريق التي أعلنت ابواق السلطة وقادتها التزامها المتجدد بها .

اما عسكريا فهناك نقطة فارقة تمثل ثغرة فاضحة في الرواية الدايتونية فهل يعقل لمجموعة مطلوبة وبالحاح للجانب الصهيوني والذي كان يعمل على قدم وساق لقتلهم -وتشهد الاجتياحات وهدم المنازل على ذلك - أن يقدم نفسه لقمة سائغة للإجهزة الامنية في دلالة على انتفاء الحس العسكري العالي وحسن تقدير الامور لقائد له خبرة طويلة في المطاردة امتدت لسبع سنوات ناهيك عن الظروف الموضوعية في الضفة والتي تجعل من احتمال تقويض النظام القائم والتهم الزائفة بسعي حماس لتوتير الساحة الفلسطينية واستمرار الانقسام امرا مستبعدا في الوقت الراهن !!



نصاعة المشهد تجرم المواقف الباهتة :-
اما ردود الفعل من بعض التنظيمات الفلسطينية والتي من البديهي ان تكون متابعة لكل شاردة وواردة في الساحة الفلسطينية والتي اختزلت الجريمة ذات الابعاد الخيانية والاستسلامية الواضحة بمسمى الاقتتال الداخلي و المطالبة بلجان تحقيق ، هو أمر معيب يجرم تلك التنظيمات ويضعها في دائرة الشك ويضع علامات استفهام حول التباينات الشاسعة بين الشعارات الفضفاضة والجوفاء التي تتمترس حولها وبين سلوكها وخطابها المتماهي لبعض الجهات والذي في جوهره يغلب المصالح الحزبية والفئوية الضيقة على مصالح الشعب .

وهنا لابد من طرح جملة تساؤلات لابد لتلك التنظيمات والجهات ان تجيب عليها بوضوح أهما ، هل أضحت محددات النهج و السلوك السياسي لأتباع دايتون ذات البعد التاريخي الواضح بحاجة لإستقراء باهت وفاقد للموضوعية لهذه الدرجة ؟؟ وهل أضحى البعد السياسي للقضية الفلسطينية ككل مبهما بحيث لا تستطيع تلك الجهات اتخاذ قرارت واضحة تدلل على استقلالية القرار وجرأة البوح بها على أرضية تغليب المصالح الوطنية التي تتشدق بها ليل نهار ؟!


وكم من تلميذ فاق استاذه !!

لكن هذه الجريمة أحدثت نقطة فارقة في طبيعة أداء تلك الاجهزة والتي اتضح انها فاقت استاذها الصهيوني بكل جدارة ، فلقد سبق العملية حملة اعتقالات ممنهجة طالت اكثر من 90 عنصرا من حماس في المدينة ومتابعات استخبارية تحاكي النموذج الصهيوني والذي اعترف الجانب الصهيوني بكفاءتها ، وأثناء العملية شاهدنا نفس الاسلوب الصهيوني اللااخلاقي باستخدام اوراق ضغط حساسة مثل الاقارب تدلل على الخسة والندالة .

في المقابل فإن التلميذ ايضا فاق استاذه بالضعف النفسي " السكيولوجي " وانتفاء البعد العقدي والشجاعة العسكرية والذي برز جليا من خلال عدم قدرة أكثر من 200 عنصر على حسم معركة ضد شخصين فقط ولساعات طويلة ووقوع خسائر كبيرة مقارنة بمجاهدي القسام الذين رغم قلتهم سطروا ملامح بطولية وقدموا درسا ذات ابعاد عقدية "سكيولوجية " عسكرية لزمرة دايتون .


حدثوهم فهم يسمعون !!
وامام تلك الجريمة النكراء والتي تضع آخر المسامير في نعش الحوار الفلسطيني وتدلل على طبيعة المرحلة القادمة وماهية المخطط التي يستهدف القضية والمشروع المقاوم لابد من كلمة لاتباع ذلك التيار وقتلاهم على وجه الخصوص ، فأقول لهم هل علمتم يوميا غائية سلوككم وانعكاساته على القضية الفلسطينية ؟؟ هل أصبحت حفنة اموال من قنوات قذرة خليقة بأن تتنازلوا عن حقوق الشعب وثوابته ؟؟ هل تظنون أن الظلم قدر له الديمومة ؟؟ هل ظننتم أن الشعوب التحررية تنهزم وأن المشروع المقاوم أندثر يوما ؟؟؟

فأجيب بان سنة الله المتمثلة بالحتمية التاريخية لم تسجلا نصرا وتمكينا إلا للشعوب التحررية وقطاعات المظلومين وبأن ظاهرة الخيانة والتواطىء لابد ان تلفظها الشعوب ، ومصير معتنقيها اعواد المشناق ومزابل التاريخ ، اما جيفهم العفنة فإن الارض تحضنها على مضض ما تلبث أن تلفظهم في أي لحظة سانحة .... فعودوا لإحضان شعبكم قبل فوات الاوان واعلموا أن رهانكم خاسر وسلوككم شائن وأن الهزيمة والاندثار هو مآلكم فالتاريخ لم يخطىء يوما... فهل من معتبر !!!.




عامر سعد
للإطلاع على التفاصيل

حركة فتح لأوباما ... قرع نعلك احلاماً !!






إن التاريخ يعيد نفسه كما تعيد الشمس كرتها من لحظة الغياب ، بتلك العبارة الخالدة والتي تلخص سيرورة التاريخ الانساني و مصائر صانعي احداثه ولاعبيه لابد أن نبدأ ، فما يحدث قي قلقيلية من مسلسل خياني و سلوك انتهازي مرضي و منسلخ عن المنظومة القيمية والاخلاقية لشعبنا الفلسطيني ومتنكر لتاريخ نضالاته الطويلة لا يمكن وضعه خارج السياق التاريخي ولا يمكن تحريره من سلطة هذه العبارة آنفة الذكر والتي أضحت سنة كونية تساعد في فهم كافة الظواهر ومن ضمنها ظاهرة الخيانة والتي أضحت عنوانا لمرحلة هامة ودقيقة من المراحل التي يعيشها شعبنا الفلسطيني .

فمسلسل الخيانة المستمرة فصوله في قلقيلية والتي تلعب فيه حركة فتح دور البطل تكرر كثيرا في التاريخ البشري ، فحركة فتح قبلت أن تنسلخ عن ارادة شعبها وأن تتحول لأداة رخيصة في يد الحلف الصهيو امريكي مقابل جملة من الوعودات بمستقبل سياسي ذي وزن وثقل وجملة من المناصب الهلامية ، وقبلت أن تحظى باحتقار الجميع كون الخيانة كانت فردا أو جهة لم تلق تقديرا حتى ممن يستخدمها كأداة ويغازلها ويمنيها ويقدم لها التسهيلات ويقابلها بالكلام المعسول والوجه الحسن ! ولكن تناسى هؤلاء أن نفس المصير ينتظر كل خائن ، فالحتمية التاريخية رسمت ذات النهايات لكل خائن وعميل مهما تحصن وتشرعن والتي كانت وعلى الدوام نهايات سوداوية ومؤلمة لا تشرف صفحات التاريخ بحملها إلا مرغمة ملزمة! .


جدلية الوهم والحلم المشروع ازاء وعودات أوباما !

ولعل التاريخ لم يغفل قضية ضيق الافق وانتفاء الحنكة السياسية للخائن كون المصالح الذاتية الضيقة ومسلسل الامنيات صنعت غشاوة منعتهم من فهم حقيقة الوعودات التي شكلت منطلقا لسولكهم الشائن ، فالإدارة الامريكية باعتبارها من اعطت الوعودات الاخيرة لعباس وزمرته – والتي شكلت الشرارة لبدء الاحداث الاخيرة - لا تحكمها نزوات شخص ولا خطاباته العاطفية والتي ارتدت في مصر اليوم طابع الوعظ والارشاد ، فمن يرسم سياسة العم سام منظومة متكاملة من أروقة صنع القرار ومراكز دراسات استراتيجية تؤثر فيها وبقوة الأيديولوجية البروستانتية ذات البعد الاسطوري القائم على ضرورة اعادة اليهود الي فلسطين والبعد الرأسمالي المصلحي الذي لايقيم وزنا للبعد الاخلاقي حيال الشعوب المظلومة وقضاياها العادلة بل باعتبارها عامل مؤثر على النشاط الاقتصادي الامريكي ومخططاته لا أكثر .

فالوعودات التي اطلقتها الادارة الامريكية لعباس - والتي احتفلت بعيدها الواحد والستين قبل ايام- وتصريحات الادانة " الحضارية والمنمقة " للكيان الصهيوني وضرورة اقامة الدولة الفلسطينية ليست بالجديدة و لم تتجسد يوما على الارض ولم تؤثر في السلوك الصهيوني الذي لا يقيم وزنا للطرف الفلسطيني ولا يؤمن بوجوده ، وكذلك طبيعة العلاقة الامريكية مع الكيان الصهيوني والتي هي في جوهرها علاقة دعم لا متناهي لها ابعاد ايديولوجية ومصلحية كبيرة لا يمكن ان تسوء يوما على حساب الطرف الفلسطيني فمن غير المعقول ان يضحي العم سام "بدولته الوظيفية " مقابل الايفاء بوعودات لن تعود عليه بنفع كبير ولم تكن يوما على سلم اولوياته ، بل كانت وعلى الدوام مستحضرات تجميلية لصورته المترنحة والقبيحة .

وبناء على ما سبق وفي ضوء الفهم السياسي للسلوك الامريكي لا يمكن التعويل على الدبلوماسية الامريكية والخطاب العاطفي الذي لم يترجم يوما لقرارات سياسية نافذة حيال الحق الفلسطيني ، وهذا يقود إلى أن التعويل الفتحاوي على السياسية الامريكية والتي انسلخت بموجبه فتح عن شعبها وتحولت لأداة رخيصة بأيدي امريكا والصهاينة مجرد وهم يدحضه البعد التاريخي للسلوك الامريكي ازاء مجمل القضايا العربية ومنها قضيتنا الفلسطينية .

المشروع الخياني بين التكريس والعبثية !

ولعل كل مشروع خياني لابد له من ابواق اعلامية ومنظومة فكرية تحاول تكريسه في الواقع وزرعه في أدمغة شرائح مجتمعية ستشكل الحاضن لذلك المشروع ، وهذا لا يتم بطبيعة الحال إلا بانتهاج طرق لااخلاقية في جوهرها ، فمن الروايات الاعلامية الكاذبة – الاعلام جوبلزي بامتياز- والمفبركة والتي تمثلت في واقعنا بالروايات الكاذبة حول حقيقة الجرائم التي تمارسها فتح ضد ابناء القسام في الضفة إلى خطاب يرتدي طابع الواقعية والتسليم بموازين القوى ومحاولة شرعنة السلوك البراغماتي المفرط إلى جملة من المشاريع الاجتماعية تتلخص ماهية الممارسة التي ينتهجها المشروع الخياني لتوطيد بقائه لأمد طويل والتي يغلب عليها المال السياسي وشراء الذمم والذي نلحظه جليا في الضفة .

لكن تاريخيا لم يكتب لهذا النهج رغم ما يمتلك من حرفية عالية وحنكة وخبث على درجات عالية من الفاعلية و النجاح أمام المشروع المقاوم ومنظومته التي غالبا ما كانت قاصرة على مجابهة النهج الخياني وادواته ، ولعل الأمر عائد لعدة اسباب اهمها أن مطامع العدو التي لا تنتهي وانعكاساتها السلبية ستكون حائلا أمام استمرار عمليات كي الوعي لاقناع الشعب بجدوى هذا المشروع والذي يتمثل في حالتنا الفلسطينية باستمرار فرض الحقائق على الارض من قبل الصهاينة واستمرار عملية قضم الاراضي وتوسيع الاستطيان امام محاولة اشباع العقول المغررة باحلام الدولة المنشودة ، وهو عائد ايضا لطبيعة النظام السياسي للمشروع الخياني والذي سيصبح عآجلا أم آجلا نظام تنخر به قضايا الفساد الاأخلاقي والاداري لطبيعته الانتهازية ، وهذا يقود إذا ما أسقط على واقع الضفة وسيطرت حركة فتح عليها الى عبثية المخطط الفتحاوي في إقناع الشرائح المجتمعية بجدوى نهجهم الفاقد للفاعلية والذي في حقيقته هو استهداف للمشروع الفلسطيني الحقيقي ومقومات صموده ومشروعه المقاوم امام التحديات التي تستهدفه وجوديا ، ولهذا ومن بعد تاريخي واضح فإن هذه التجربة الخيانية لن يكتب لها النجاح كسابقاتها من التجارب وستقوض كحتمية تاريخية لمسار ما زال يثبت فشله وخيانته للحق الفلسطيني .


" الخارجين على القانون " مصطلح ملازم للشرفاء !

لعل مصطلح الخارجين على القانون يحمل ومن بعد تاريخي يرتبط بالشعوب التحررية على وجه الخصوص مضامين تناقض شكلية المصطلح ، فكل أحرار العالم - خاصة في العصر الحديث - نعتوا بذلك الوصف ، ولعلي أذكر هنا ماوتسي تونغ وهوتشي منه وجيفارا وغيرهم والذين كتبوا بماء الذهب في صفحات العظماء رغم كل تلك النعوت التي حاولت تلك الجماعات الخيانية يائسة أن تزرعها في عقول شعوبهم للفظهم وعدم اتباع نهجهم وفكرهم المقاوم قوبلت بالرفض والالتفاق الشعبي خلفهم بل وتحولهم لرموز عالمية ومدراس نضالية بكل ما تحمل الكلمة من معنى .

فالمصطلح إذن يحمل مدلولات ايجابية تضفي كل معاني الشرف والافتخار على من يوصف بها ، فلا ضير اذن أن يكون ابطال القسام خارجين عن القانون ، وأي قانون ؟!! قانون فرضه الاحتلال ليكرس سيطرته ونفوذه .. قانون استمراء الذل والخنوع .. قانون الانسلاخ عن الشعب وهويته الوطنية ....

واخيرا إن معارك الشرف ستستمر وإن صراع المشروع الخياني والمقاوم صراع يتكرر في تجارب الشعوب التحررية ، لكن كانت النتيجة واحدة لا تتغير ، فالمشروع المقاوم سينتصر رغم كل الحملات التشويهية ورغم كل العوائق ، والتاريخ لم يخذل يوما شعبا مقاوما لعدوه مهما كانت قوة عدوه المادية !!


عامر سعد




للإطلاع على التفاصيل

المال السياسي إذ يرسم خارطة المنطقة !!





في ظل استمرار الصراع المحتدم والمشبوب بين محوري الممانعة والاعتدال في منطقتنا الشرق أوسطية وتبلور أهم معالمه ووضوح مدخلاته ومخرجاته والعوامل الصانعة له بعد أن شهد مراحل جنينية شكلت ولسنوات ستارا أخفى الاوجه السلبية والقذرة لهذا الصراع ، أصبح بالإمكان الحصول على استقراء غوري وتفسير دقيق لا يقبل التأويل إزاء كل جولات الصراع وافرازاته الممتدة في طول المنطقة وعرضها .

لكن وفي آخر جولتين من الصراع الآنف الذكر – فلسطين ولبنان - والذي اعاد رسم خارطة المنطقة سياسيا واجتماعيا برز عامل الاقتصاد السياسي وعلى وجه الخصوص المال السياسي كعامل جوهري يحدد ماهية مخرجات تلك الجولات والتي انعكست بطبيعة الحال على الحياة السياسية والبنية الاجتماعية في تلك البلدان مما أدى إلى كوارث وويلات كبيرة لما لهذا العامل من آثار تدميرة تهدد الاستقرار وتخلط الاوراق وتنسف المفاهيم وتهدد النسيج الاجتماعي وتقولب المدركات بطريقة قذرة يصعب تداركها بسهولة .

ولعل هذا العامل – اذا أخد بكليته " الاقتصاد " - غائر في القدم وليس بالامر المحدث في سيرورة التاريخ البشري وليس جديدا في جل الفلسفات التي حاولت فهم التاريخ وصياغة نظريات علمية لنهضة شعوب الارض ، بل تطرف البعض واعتبره المسبب الرئيسي في نشوء الظواهر الانسانية وتشكل الوعي البشري وبالتالي التاريخ البشري ككل ، وهذا عائد لسطوة ذلك العامل على النفس البشرية خاصة إن كانت تعاني من جملة من الامراض والآفات وايضا إذا تم استخدام هذا العامل بانتهازية لخدمة طبقات مجتمعية أو تكتلات سياسية وهذا ما حدث في منطقتنا للأسف حيث ارتدى هذا العامل ديكتاتورية صرفة ازاء رسم الخارطة السياسية والاجتماعية منحيا العوامل الاخرى والذي أدى لمزيد من الاضمحلال والانحطاط في واقعنا ووضع عوائق جديدة امام المشروع النهضوي والمقاوم لكل التحديات والمخططات التي تستهدفه .


المال السياسي انعكاس للضعف الحزبي !

وبما أننا نتناول المال السياسي كمصطلح أضحى يرتبط ببعض التكتلات والاحزاب السياسية التي تمثل بعض الشرائح المجتمعية في الحياة السياسية ، وبما ان الحزب يعني وبشكل مبسط بانه جماعة معينة من الافراد المنظمين تسعى للوصول للحكم لتطبيق برنامجها السياسي المعبر عن آمال وطموحات التربة المجتمعية التي أفرزتهم بانتهاج "وسائل مشروعة " ، فإن تحقيق الهدف الاستراتيجي لبعض الاحزاب – الذي هو سبب وجودها - لم يقتصر على الوسائل المشروعة كمفهوم جذاب تزدان به الكراسات الحزبية بل تجاوزه لانتهاج وسائل لا اخلاقية وانتهازية من ضمنها المال السياسي والذي في جوهره هو عملية شراء ذمم بعيدا عن السلوك الصحي للأحزاب والذي يتمثل في عمليات التعبئة والتنظير والاقناع للشرائح المجتمعية وتقديم الخدمات وتبني البرامج التي تعبر عن هموم الشعب وتطلعاته .

ولقد اثبتت التجارب التاريخية ان النظم والتكتلات السياسية تلجا لهذه الوسيلة عندما تفقد ديناميتها وقدرتها على التأثير في الحياة العامة ، وهذا يقود إلى ان السلوك الشائن والبعيد عن التنافس الحزبي الشريف من قبل بعض اطراف محور الاعتدال خاصة في لبنان كما اثبتت الانتخابات الاخيرة ومحاولات حركة فتح في انتخابات 2006 يندرج في سياق الافلاس الحزبي في التنظير والتحشيد والتعبئة وبلورة شرائح داعمة لرؤى الحزب والإلتفاف حول تصوراته بدون استخدام مؤثر لااخلاقي ومتحلل من كل المنظومات القيمية والمسلكية ، وهذا ما أدى وسيؤدي إلى تداعيات سلبية تطال الحياة العامة بكل تجلياتها ورسم خارطة سياسية مجتمعية هشة وقابلة للسقوط وغير قادرة على النمو والنهوض الحقيقي .


في تربة التقشف الفكري يزدهر المال السياسي !

ولعل المال السياسي كغيره من العوامل بحاجة لتربة مناسبة لكي يزدهر بها ويؤتي ثماره ، وهذه التربة هي حالة التقشف والخواء الفكري وانتفاء الوعي الشعبي – دون اغفال البعد السيكولوجي المرضي للبعض- بطبيعة المرحلة و بمحددات الحياة السياسية وماهية التحديات والعوائق التي تقف حائلا امام النهضة المنشودة والانعتاق من نير الاحتلال وتسلطه على مقدرات الشعب ومنجزاته ، وهذا بتنا نلمسه في واقعنا الفلسطني .

ناهيك عن صرف النظر من قبل أصحاب الخواء الفكري عن تحول الاحزاب التي تنتهج المال السياسي لادوات رخيصة في يد المحتل – كنتيجة طبيعية - كون المال السياسي قابل للنفاذ وبحاجة لمنابع دائمة ، وهذا المال لا يتأتى في حالتنا العربية التي تعاني العجر إلا من خلال قنوات امبريالية معروفة الوجهة والاهداف والتي لن تكون بأي حال متناغمة مع اهدافنا وطموحاتنا مما يعني التسليم بسيادة ارادة الغير على مجريات حياتنا وتحولنا لعبيد تعيش على الفتات .

وللأسف فإن حالة التقشف الفكري مستمرة رغم محاولات محور الممانعة كي الوعي العربي ازاء القضايا التي تهمه والتحديات التي تواجه ، حيث افرزت الانتخابات اللبنانية الاخيرة استمرار تلك الحالة وتكرسها لدى شرائح مجتمعية كبيرة ، والذي سيؤدي بطبيعة الحال إلى مزيد من عمليات شراء الذمم وانتفاء المقاومة للمشاريع الهادفة للتماهي والذوبان في الجسد الامبريالي وفقدان البوصلة والهوية الوطنية والتي كانت وعلى الدوام تمثل الرافعة لأي جهد تنموي ونهضوي يهدف لإنتشال الامم من براثن الانحطاط .


المال السياسي هل يتحول إلى وباء عالمي ؟!

وفي ضوء ما تقدم فإن استمرار هذا النهج من قبل البعض مستغلين حالة التقشف الفكري وتسطيح العقول خاصة في منطقتنا ينذر بكوارث ستقوض المنجزات التي تم احرازها في الاونة الاخيرة خاصة على الساحتين اللبنانية والفلسطنية ، وينذر برسم خارطة قاتمة وسوداوية مما يعني استمرار الانحطاط والذوبان الذي يتم تغليفه بشعارات رومنسية اثبتت التجارب زيفها .

وإزاء ذلك نحن بحاجة لعمل دؤوب يستهدف الشرائح المجتمعية وبكافة الوسائل المشروعة وبمنهجية عالية ، ولعل فلسفة التغيير الاجتماعي تعتبر حلا ناجعا لمعالجة هذا المرض والتي تهتم بخلق جيل واعي بقضاياه وقادر على مقاومة هذه المرض من خلال تكوين فكري متين يصعب اختراقه وخداعه بسهولة .

أما إن لم تعالج تلك الآفة و التي باتت تهدد الحياة السياسية والاجتماعية وتنذر بحالات جديدة من الاقتتال الداخلي وتفتت النسيج الاجتماعي والتأثير على مجمل الحياة العامة ، فإن تلك الآفة ستتحول لوباء يقضي على هوية المنطقة سياسيا وحضاريا .





عامر سعد
للإطلاع على التفاصيل

إعلام وكالة معا ... من سلطة رابعة إلى سلطة خانعة !!عامر سعد






لفترة قريبة كنت أتبنى وبحماسة طرحا يقف على النقيض من مقولة الفيلسوف البيرطاني الشهير ادموند بيرك والتي تنص على اعتبار الاعلام سلطة رابعة ، فالايقاع المتسارع لسيرورة العالم وجموحه الصاخب ومجمل عمليات التطور التقني والمعرفي الهائلين دفعني إلى اعتبار الإعلام سلطة اولى لها دور ريادي في حركة المجتمعات البشرية ولها اليد الطولى في تكوين البنى السياسية وتحديد ملامح السلوك الانساني .

وهي بهذا الدور تتخطى الدور الكلاسيكي الذي رسمه ادموند بيرك ومن بعده باعتباره سلطة رابعة لها دور رقابي على السلطات الثلاث ومجمل الظواهر المجتمعية بغية تقديم الحقيقة لجمهورها ومحاربة كل عمليات التضليل والتزييف ووضع الاقنعة ، مرتدية بالمقابل تاجها الملكي والذي تستقيه من مصداقيتها ومهنيتها بعيدا عن القولبة والجمود ووضعها على لوحة أدوات السياسين والمجموعات والاطر الانتهازية والضيقة .

الاعلام في فلسطين .. يرسف في قيود السياسيين !!

لكن ما جعل هذا الطرح الذي قدمته آنفا طرحا طوباويا لا يرقى لمستوى الواقع وتصيبه ارتكاسات تنفي عنه صفة الموضوعية ،واقع الاعلام في فلسطين وعلى وجه الخصوص من يتبنى الحياد الاعلامي - مستثنيا بذلك الإعلام الموجه والذي تناولته بابحاث ومقالات سابقة - والذي لم يقبل بالتربع على العرش الملكي المعد دائما للإعلام ورضي بدور الحاشية في بلاط بعض الاحزاب السياسية مما أدى إلى ان ترتقي مصطلحات التضليل والكذب والشكوك فوقه بكل يسر وسهولة ، متناسيا – الاعلام الفلسطيني " الحيادي " افتراضا - بذلك أهم المفاهيم والقواعد التي صاغت بنية الاعلام الحيادي والموضوعي والذي يجتهد في خلع رداء الولاء الحزبي ومحاربة النزوات الفردية والنضال الدؤوب لتقديم الحقيقة للرأي العام بوصفها الكفيلة ببقاء البوصلة موجهة اتجاه التحرر واستعادة الحقوق وتحقيق النهضة المنشودة .

وكالة معا وهرطقات الحيادية !!

لقد أصبح من الترف والعبثية الفكرية الحديث عن الحيادية في الاعلام الفلسطيني ، بل لم يعد مقبولا الابقاء على هذا المصطلح باعتباره تحول لأداة رخيصة في يد البعض يخفي وراءه قبحه وخسته ، وحتى لو سلمت لبعض المطبلين بوجود اعلام يقارب ذلك الوصف اصطلاحا في واقعنا الفلسطيني فهو لم يكن في يوم اعلاما حياديا حقيقيا بأية حال ، لأن الاعلام لم يكن في يوم حمارا يحمل اسفارا ولم يكن في يوم وسائط نقل لروايات لطالما حملت التضليل والكذب في احشائها ، بل كان وعلى الدوام اعلاما حاذقا يسبر اغوار الاحداث ومجمل السلوكيات المجتمعة بدون ان يرتاع من جلاديها وكل ذلك لتقديم الحقيقة وفهم الامور لا غير ، وليتهم – من ادعوا الحياد – لعبوا دور الاعلام الحيادي السلبي الذي يكتفي بنقل الروايات على علاتها !.

فما نشهده من سقوط الوسائل الاعلامية المتشدقة بالحيادية الخرافية في براثن بعض الاحزاب السياسية وتحولها الفاضح لجوقات مساندة لتلك الاحزاب والتكتلات هو المشهد المسيطر على الساحة الاعلامية في فلسطين ، وأصبح جل اهتمام بعض الوسائل الاعلامية التي تبنت الحيادية في بادىء امرها هو البقاء على قيد العمل ولو أدى ذلك الى نزع رداء الحيادية والقبول بالتلون الحزبي الفاقع مما أفقد الاعلام الفلسطيني المحايد مصداقيته ومهنيته في نقل الحقيقة للراي العام الفلسطيني والتي كانت وبلا شك ستسهم في فهم الاحداث الاخيرة التي سيطرت على ساحتنا الفلسطينية خاصة بعد الانتخابات التشريعية عام 2006 وإلى الان ، ومعرفة أي الاطراف الفلسطينية ما زال يسير على الخط الوطني المتعارف عليه في ابجدياتنا كفلسطينيين ومازال ينتهج اجندة ذات صناعة وطنية والتي لايمكن معرفتها سوى من خلال اعلام حيادي يسلط الضوء على ماهية الخطاب السياسي ومفاعيله على القضية الفلسطينة .

وهذا يقودني للحديث عن جوهر مقالتي اليوم وهو حقيقة اعلام وكالة معا الاخبارية الفلسطينية والتي تبنت الحيادية كعقيدة لها والسلوك المهني الموضوعي كشعار خلاب في تناولها لكافة حيثيات الشان الفلسطيني ، لكن تبين زيف تلك الشعارات وبان قبح تلك الوسيلة الاعلامية والتي توسم الكثيرون فيها خيرا .

فالحيادية تبين انها عقيدة جوفاء والسلوك المهني الموضوعي تبين انه شعار " ناصري " فضفاض بل والانكى من ذلك ان الوكالة غادرت الحيادية ليس لتنتقل لصفوف الحيادية السلبية أي نقل الروايات من كل الفرقاء الفلسطينين وعرضها كما هي ، بل تهاوت تلك الوكالة وارتضت ان تتحول لجوقة مساندة لحركة سياسية معروفة وأصبحت ناطقا باسم رواياتها وحبل نجاة لمآزقها وارتكاساتها الوطنية الفاضحة ، ومركزا لبث سموم تلك الحركة في مدركات الرأي العام دون ان ترتاع من خطورة ذلك وانعكاساته على القضية الفلسطينية التي تشدقت الوكالة بابرازها والعمل لأجلها .


وكالة معا في ضوء الاحداث الاخيرة !

وحتى لا يكون اتهامي انشاء سياسيا فاقدا للعلمية ، أردت أن اتطرق للأحداث الاخيرة التي حصلت في قلقيلية على وجه الخصوص وكيفية تعاطي وكالة معا معها ، فأقول الم يكن حريا بوكالة معا باعتبارها تتبنى الحيادية وبوجود رئيس تحرير حاذق وعلى درجة كبيرة من الفهم والوعي السياسي من التطرق لأحداث قلقيلية وان يقدم ناصر اللحام كما يفعل دائما مع اي حدث جلل على ساحتنا الفلسطينية او الدولية تحليلا يقف فيه على حقيقة الامور ؟؟!! أم أن ناصر اللحام أصبح عشية احداث قلقيلية انسانا قاصرا عن فهم الاحداث السياسة على ساحتنا الفلسطينة وعاجزءاً عن حلحلتها ؟؟!! وهل تخلى ناصر اللحام ووكالة معا عن المهنية الاعلامية المتمثلة باظهار الحقيقة لجمهورها بعدم تقديم تحليل غوري يكشف حقيقة الاحداث ويريح الانفس ويضع حدا للتضارب الكبير في الروايات والشيطنة المتبادلة ؟؟!! وهل الاعتماد على استطلاع رأي غير مهني عقب الاحداث ينهى المسؤولية الاعلامية يا معا!!

وليت الموقف من قبل الوكالة توقف عند عدم اظهار الحقائق ، بل ارتكبت الوكالة جريمة لا تغتفر بالاسقاط المتعمد لروايات مراكز حقوق الانسان ، فلقد قدم مركز الميزان لحقوق الانسان رواية حول احداث قلقيلية لكن لم تعره الوكالة اهتماما وتعمدت اخفاءه قصدا ، والباعث على الأسى أن الوكالة تبنت وبعد ايام تقرير لمركز الميزان حول قضية اخرى تخص الشان الفلسطيني ، فهل الحيادية والموضوعية مزاجية وانتقائية في عرف معا أم انها المؤامرة والتماهي مع احد الاطراف على حساب الآخر !! .

على ضوء ما تقدم أوجه رسالة اخيرة لوكالة معا مفادها بأن الغلالة التي تخفين وراءها سوءتك قد سقطت وبأن هوية الوكالة لم تكن بيوم حيادية وطنية ، ولعلي هنا لم اتطرق لكيفية نشات تلك الوكالة ومن دعمها ولم اتوقف على كثير من المخالفات والتعاطي السلبي الشائن ازاء كثير من الاحداث السياسية على ساحتنا الفلسطينية ، لكن اقول بأن الشمس لا تغطى بغربال وبان رائحة الانحياز والتلون الفاضح أزكمت انوف كل فلسطيني ،فمتى العودة يا وكالة معا ؟؟ متى العودة لتقديم اعلام حيادي يحمل الهم الوطني والذي ما زلت موقنا بتمثله في واقعنا يوما ما ؟؟؟ متى تعودين كصاحبة جلالة تتربعين على عرشك وتلبسين تاجك دون عودة لدور الخادمة في حاشية البعض ؟؟ متى يعود الاعلام لسلطة رابعة على الاقل بعد ان ساهمت بتحويله لسلطة خانعة ذليلة تنسلخ عن ادوارها الاساسية ؟؟ متى .......



عامر سعد

للإطلاع على التفاصيل