26.6.09

خطاب الصفعات ..... والبنى الفكرية المعتلة !!





لن أدخل اليوم في جدلية الجديد والتقليدي في الخطاب السياسي للأخ القائد خالد مشعل ، فقد سال مداد كثير
حول هذا الخطاب وتباينت الرؤى والمواقف بإعتباره خطاب سياسي شمولي شكل محتوى ايديولوجي سياسي استطاع استيعاب الوضع الفلسطيني برمته واستطاع استقراء وتحليل مختلف السياسات والحراكات والمواقف الدولية والاقليمية حيال الشأن الفلسطيني .

لكن لعلي هنا لن اتناول الخطاب بطريقة كلاسيكية بل ساتناول الخطاب في ضوء البنى الفكرية ، لأن الخطاب عبارة عن محتوى فكري يستهدف المدركات البشرية بطبيعة الحال كون البنى الفكرية هي من تصوغ رؤى الانسان وينبثق سلوكه من بؤرتها ، فالخطاب وما سبقه من هستيريا اعلامية وتحليلية وما اكتنفه من شكوك وتخرصات من قبل الشرائح المجتمعية وما اعترى فحواه الافتراضي من طوباوية من بعض الكتاب والسياسيين غير مبررة للأسف سلط الضوء على ماهية البنى الفكرية لبعض الشرائح المجتمعية الفلسطينية وكيفية تعاطيها مع الظاهرة السياسية وصوابية اطلاق احكامها المسبقة والملازمة للخطاب والسلوك السياسي من قبل جميع ألوان الطيف السياسي الفلسطني – احزاب وحركات - .


السياق التاريخي المكون للبنى الفكرية الفسطينية !!

لكن ما سبق الخطاب وواكبه من رؤى وتحليلات وفي طبيعة الحال ما سيتبعه ليس بالامر الجديد على واقعنا الاجتماعي السياسي كفلسطينيين بل يندرج في سياقات تاريخية متواصلة نشأت عقب تبلور المآساة الفلسطينية في عام 1917 – وحتى وقتنا هذا - والذي شهد بداية ضياع الحق الفلسطيني وبداية الحرب المسعورة على هويته وكيانيته والتي مازال يقدم شعبنا في سبيل الحفاظ عليها و تجسيدها بالدولة المستقلة شلالات الدماء .

مذ ذاك التاريخ المشؤوم تعرضت شرائح شعبنا لعمليات حشو وبناء قذر لمدركاته استعملت فيها اساليب التضليل بشعارات براقة و رنانة وبخطابات ديماغوجية بكت لها ملايين العيون وبمظاهرات عسكرية كذبتها أرض المعارك التي شهدت ذل هؤلاء وضعفهم ، كما واستعمل الكذب الفاضح باعلام أقل من ان يوصف بانه جوبلزي بامتياز استطاع أن يسكر العقول معتمدا على الخواء الفكري الذي عم تلك الشرائح وعاطفتها المتقدة التي تنبهر بالشعارات والخطب العصماء ، فضاعت البلاد والكل مازال يصفق ويهلل ، وظهر التباين الفاضح بين الاهداف المعلنة من تلك التنظيمات وما أنجز على الارض دون هيجان شعبي ولا حتى مظاهرة ، وقدم الاف الشهداء على مذبح المصالح الضيقة وبناء الممالك الخاصة دون ان ينبس احد بكلمة ، وخلعت الشعارات والمواثيق – الجوفاء - من تلك النظم والحركات أمام الجري وراء الحوافز والوعودات الغربية دون أن يعترض أحد .

ولكن أقول وكيف هذا ؟!! وقد تشكلت بنية فكرية اعتادت الخنوع والذل في لباس الانبهار والانجرار وراء شعارت بعض النظم والحركات السياسية وسلوكها الاولي الذي ما يلبث أن يتغير وفقا للعبة مصالح ضيقة وفئوية لا تلقي لفلسطين وقضيتها أي وزن .

لكن ومع مرور الوقت وحين استفاقت تلك البنى على هول الكارثة تحولت لحالة مرضية لم تعد بموجبها تقبل اي نظم أو حركات سياسية تحمل الهم الوطني وتنشد الحرية بصدق ، فالسلوك والممارسة الصادقة من تلك الاحزاب اصبحت في عرف تلك البنى المرضية تختزل بمفهوم السلوك الاولي الذي استعملته بعض النظم والحركات لخداعهم ، والخطاب الوطني الصادق أصبح في عرفهم حلقة من مسلسل خطابي طويل كانت بعض حلقاته تحمل خطابات اقوى ولها مفعول أشد وقعا في قلوب الجميع ، والاف الشهداء والتضحيات من تلك الحركات والاحزاب أصبحت في عرف تلك البنى وقوداً بخساً لزعماء تلك التنظيمات في مقاربات ظالمة مع الماضي المؤلم
.

خطاب مشعل في ضوء البنى المرضية !!

وعلى ضوء ما تقدم فإن خطاب القائد خالد مشعل لم ينج من مصائد المرضى سالفي الذكر ، فما لبثت وسائل الاعلام أن اعلنت عن وجود خطاب هام لحركة حماس في ضوء الحراكات والمستجدات الاخيرة حتى عادت الشكوك المرضية المعتادة لتساور هؤلاء ، فبدءوا وعلى وجه السرعة بعمل مقارابات – ذات ابعاد تاريخية – ظالمة وبكيل اتهامات ارتدت طابع العداء واللهجة القاسية وملأت - و لحد التخمة - بمصطلحات الانبطاح والتخوين والانهزامية والتراجع في مشهد ذهل له كل فلسطيني ومتتبع واع لماهية حركة حماس وحقيقة ثبات نهجها السياسي .

ولكن ليت الامر توقف عند تلك الشرائح المرضية وبعض جوقات الاحزاب المهترئة بل تجاوزه لتنساق بعض جماهير الحركة مع تلك الموجة المرضية في مشهد يندى له الجبين ، وبدأت أرى عبارات التشكيك والخوف والريبة تسيطر على بعض الالسن والاقلام وعلامات الحيرة والتوهان ترتسم على البعض الاخر ، كما و لمست محاولات البعض في البحث الحثيث واحيانا البحث الهستيري عن تصريحات هنا او هناك تكون بمثابة حبل نجاة او حتى قشة تخرج بعض ابناء الحركة من تلك الدوائر المرضية ، لكن كل هذا لم يجدي حتى بدا الخطاب وبدأت الصفعات تخرج تباعا تصفع مدركات هؤلاء وكل البنى المرضية ، والتي أيقن بأنها صفعات عتاب ومعالجة وتحمل في ثناياها كل الحب لتلك الشرائح والجموع .


خطاب مشعل والعلاج الاخير !!

إن خطاب الاخ القائد حمل ايضا في طياته علاجا لتلك البنى المرضية ولكل شخص مازال يسيء التعاطي والفهم الدقيق لهذه الحركة ، فالحركة ومن خلال هذا الخطاب وجهت عدة رسائل هامة لكل هؤلاء لعلها تساعدهم في الشفاء التام وهي :-

أولاً :أن حماس تتبنى ايديولوجيا راسخة رسوخ الجبال لا تزعزها وعودات هنا او هناك .
ثانياً : أن حماس تتمسك بنهج صادق ينهل من الاسلام العظيم والفهم السياسي الدقيق والاستقراء الواعي ووطدت دعائمه دماء الاف الشهداء والجرحى وآهات الاف الاسرى وفي مقدمتهم القادة ولا تستطيع اعتى القوى وضغوطاتها أن تحرفها عنها قيد أنملة .
ثالثاً : أن حماس تتمتع بمناورة وحنكة سياسية تنبثق من بوتقة الحقوق والثوابت والانحياز لمصالح الشعب الفلسطيني وليست إنعكاسا وتعبيرا عن جريها وراء مصالحها الخاصة .
رابعاً : ان حماس تتمتع بوحدة عضوية بين الفكر والممارسة فلا شعارت جوفاء ولا تباينات فاضحة .
خامساً : أن حماس تغلب مصالح الشعب على مصالحها الذاتية وهذا ما اكده الاخ القائد وسلوك الحركة على الارض .
سادساً : أن حماس استطاعت ولأول مرة في تاريخ الحركات الفلسطينية من فهم جدلية العلاقة بين ما هو استراتيجي وتكتيكي وتجسيده في الخطاب والسلوك الحمساوي .
سابعا : أن حماس تمتلك رؤية استراتيجية وسعة أفق ونضج سياسي مكنها من فهم حقيقة المتغيرات والسلوك في البيئة المحيطة فيها دون انخداع أو انسياق أعمى .

واخيرا لم يعد من عزاء مستقبلا لكل من يحمل شكوكا او تخمينات أو من ترتسم ملامح الحيرة والضبابية على وجهه ازاء التعاطي والحكم على حركة حماس ونهجها دون أن يقدم أدلة واضحة وطرحا موضوعيا يستند لمعطيات حقيقية وليست هلامية مكانها ميتافيزيقيا البعض وتصوراتهم المرضية للاسف !! .


الكاتب
عامر سعد


للإطلاع على التفاصيل