10.7.09

حماس والايديولوجيا ..... رؤية تحليلية !!





لقد أضحى من نافلة القول الإقرار بأن الكثير من النظم السياسية والاحزاب والحركات و مراكز الدراسات والابحاث تعتبر دراسة حركة حماس وتحليل نصها السياسي وممارستها الاجتماعية و السياسة وتحديد ماهية اطارها الفكري العام وما يطرأ على كل ذلك من نمو و تغيرات أمراً جوهريا في صياغة سياساتها ومواقفها ومخرجاتها المعرفية تجاه فلسطين والمنطقة برمتها ، في ضوء اقرارهم الجامع بأن حماس أضحت لاعبا اساسيا في المعادلة السياسية اقليما و كونها تتمتع بدينامية عالية يصعب معها اختزالها في قوالب جامدة وتنميط خطابها وسلوكها بمبادىء ثابتة لا تتغير مما يعني ضرورة اخضاعها المستمر للبحث والدراسة .

وهذا بطبيعة الحال إنسحب مؤخراً على خطاب الاخ خالد مشعل والذي يعتبر نصا سياسيا هاما في ضوء التطورات الاخيرة التي تعصف بمنطقتنا وفي ضوء تنامي دور الحركة والاقرار الدولي بضرورة التعاطي معها ، فالخطاب كان له أصداء واسعة وتداعيات كبيرة جلبت المزيد من الدراسات والتصريحات والمقالات التي تتناول الحركة بنية وسلوكا ، ومازال الخطاب وليومنا هذا مدارا للبحث والجدل الواسعين على مختلف الصعد والميادين .

لكني هنا ساتناول تلك الدراسات والتصريحات والمقالات التي تعاطت بسلبية مع النص السياسي – الخطاب- والتي حرصت على تحميله مفردات مفخخة أريد لها أن تنسف المرتكزات الفكرية للحركة أو حاولت وبمنهج فلسفي لايرقى لمستوى الحقيقة أن تسلخ حماس عن فكرها المؤسس وايديولوجيتها المنبثقة من الدين الاسلامي ممنية النفس بأن تنفض الجماهير عنها أو من خلال محاولات تهدف لتدجين الحركة ووضعها تحت عباءة البعض بكم هائل من مفردات المديح والاطراء التي ترتدي طابع الخداع ونصب الفخاخ حول حدوث تغيرات جوهرية ايجابية في ايديولوجيا وسلوك حماس .

وهنا سأرد وبكل موضوعية وعلمية صرفة على تلك الجوقات المسمومة لبعض التظيمات و على بعض البيانات الساذجة لتنظيمات مجهرية – كما وكيفا –ودراسات كان آخرها دراسة اعدها المعهد الاميركي للسلام ، وردي سيعتمد و بشكل اساسي على توضيح الايديولوجيا كمصطلح وابعاد وأسس وعلى اهمية الادلجة وعلاقة حماس بالايديولوجيا لأخلص اخيرا إلى أن مجمل التعاطي السلبي مع الخطاب لا يعد كونه زوبعة في فنجان السياسة وتجريدا ساذجا أراد اضعاف حماس في أحلام هؤلاء وخيالهم المرضي .


ما هي الايديولوجيا ؟

تعتبر الايديولوجيا من المصطلحات التي ما زال يثار حولها جدل محتدم كونها تعتبر مصطلحا اجتماعي – تاريخي ينطوي على تطورات وصراعات ومناظرات اجتماعية وسياسية متعددة ، وبالتالي يعتبر من المصطلحات التي تمر بصيرورات دائمة يستحيل معها أن توضع في اطار اصطلاحي محدد ، حيث أن الايديولوجيا تعتبر عند بعض المدارس الفكرية كالماركسية صنيعة الطبقة البرجوازية لتوطيد دعائم سلطتها وعند المدرسة السلطوية – كما اكد نيتشه – وهماً نحتته الطبقات المقهروة لمقاومة الاسياد وعند الليبراليين تعتبر بؤسا ومثاليات أدت إلى انسلاخ الكثيرين عن الواقع المعاش وفي فكرنا الاسلامي نجد تمييزا بين الايديولوجيات الوضعية والايديولوجيات المنبثقة من الدين ، فالأولى أشقت البشرية والثانية ستكون سبب اسعادهم ونجاتهم في الآخرة – كما أكد العلامة يوسف القرضاوي - .

وبعيدا عن تلك التناقضات والجدليات التي واكبت الايديولوجيا فإنها تعني نسقا فكريا شاملا تمثل دليلا للعمل السياسي وتقدم رؤية للتاريخ وتعطي الحياة معنا وهدفا وتشكل اطارا فكريا عاما لمجمل السلوك الاجتماعي والسياسي ، أما في حقل السياسة فتعني مجموعة من المبادىء السياسية والاجتماعية والاقتصادية والقيم الاخلاقية التي ينتهجها حزب او نظام سياسي ويتم السعي لتحقيقها على ارض الواقع ، بمعنى آخر فالايديولوجيا هي العقيدة السياسية للاحزاب والحركات والنظم السياسية وقد كانت تعتبر علمانية إلى فترة قريبة كونها تصاغ على ايدي مفكرين ومنظرين ، لكن صعود الاحزاب الإسلامية في العالم وطبيعة المصطلح المتحولة أدت إلى بروز الايديولوجيات المنبثقة من الدين.

وبناء على ما تقدم نستطيع أن نحدد المرتكزات الاساسية لبناء المحتوى الايديولوجي بثلاثة أسس وهي الرغبة والمؤسسة والقيمة ، فالايديولوجيا تبدأ برغبة سياسية اجتماعية تحتاج للإشباع ولا يتم ذلك إلا عبر مؤسسة - الحزب او النظام السياسي – والتي بدورها تضفي قيمة تتخذها كهدف لتبرير سلوكها ، كما ونستطيع أن نرى أن للأيديولوجيا ابعادا خمسة وهي " ادراكي وإثاري وقيمي ومناهجي واجتماعي " – وهنا تعمدت عدم التطرق إلى انواع الايديولوجيات وسأكتفي بذكرها " دون القومية ، القومية ، الوطنية ، الدولية ، المنبثقة من الدين ".


الأدلجة ضرورة سياسية اجتماعية :


لم ينته الجدل حول الايديولوجيا في حدود المضامين بل تعداه ليطال الايديولوجيا بين الضرورة والبؤس - وهنا علي أن أقر بأن الأيديولوجيا في مراحلها الأولى كانت تعبيرا عن الافكار الكريهة والرجعية – وهذا الجدل ناجم عن تباينات المدارس الفكرية ، فنجد أن بعض تلك المدراس تناولت الايديولوجيا بعناوين ك " بؤس الايديولوجيا " و " موضة بالية " باعتبارها معتقدات سابقة لا تبنى على تجربة ، فهي حسب زعمهم من باب المراهقة الفكرية ، في مقابل مدارس تناولتها بعناوين ك" عصر الايديولوجيا " وغيرها باعتبارها حاجة ملحة واطاراً فكريا عاما لا يمكن للإنسان بدونها من تحديد موقعه في البناء الاجتماعي السياسي .

وحل تلك الجدلية وبيان أهمية الايديولوجيا وتفوقها على من نادى بموتها وبؤسها ، هو أن الذين نادوا بموتها وإزالتها قد قاموا بتقييمها ، والتقييم بحد ذاته يمثل ايديولوجيا لأنه ينطوي على أفكار تنتظم لتشكل منظومة فكرية متكاملة تستخدم للتقييم وتبرير مختلف السلوكيات مما يعني وقوعها تحت طائلة الايديولوجيا ، ناهيك عن كون البشر ينظرون للعالم ولمختلف الظواهر من خلال منظومة فكرية قيمية والتي تمثل بحد ذاتها ايديولوجيا وهذا يقود إلى أن الايديولوجيا تعتبر امرا جوهريا في حياة الانسان فلا مجال لازالتها أو الفكاك منها كما وتعتبر فرعا هاما في حقل العلاقات العامة والذي يعتبر جوهر العصر الحديث والمحرك الاساسي له .


حماس تشب عن الطوق :-

لقد أدى صعود الاحزاب السياسية - التي تتبنى ايديولوجيات منبثقة من الدين - بقوة في الحياة العامة خاصة في منطقتنا إلى خلق دراسات تتصدى لهذه الظاهرة وتحاول ايجاد رؤية نقدية تحليلية لها ، وهذا ما حصل فعلا ، لكن جل تلك الدراسات أجمعت على أن تلك الاحزاب ذات محدودية كبيرة في احداث تطور في الفكر السياسي لديها وفي احداث قطيعة معرفية كونها تستند لنصوص ثابتة جامدة لا تستطيع مواكبة متغيرات العصر ، فهي بذلك تعتبر احزاب رجعية ومنسلخة عن الواقع وبما أن حماس جزء من تلك الاحزاب والحركات فلم تسلم للأسف من تلك التعميمات المختزلة والفاقدة للشمول والدراية الكاملة.

لكن استطاعت حركة حماس أن تثبت لهؤلاء ولجميع المراقبين بأنها تقدم نموذجا مغايرا ومتحررا من قيود تلك التعميمات الاختزالية الجائرة ، فحماس قدمت نموذجا يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار عند دراسة الاحزاب التي تتبنى ايديولوجيا منبثقة من الدين الاسلامي – على وجه الخصوص – فالنص المؤسس في الشريعة الاسلامية والذي يعتبر المرتكز الاهم في ايديولوجيا حماس لم يتم التعامل معه من قبل الحركة باعتباره نصا جامدا وذا وسائل متجمدة بل اعتبرته نصا يمتاز بالواقعية الجادة – كما اكد سيد قطب في المعالم – يستطيع أن يواكب متغيرات العصر مما يعني رفد الحركة بتصورات متجددة ودائمة وايضا بما يشكله هذا النص من رافعة كبيرة أدت لاحداث تطورات ملموسة في الفكر السياسي للحركة وايضا أدت إلى خلق هامش كبير من المناورة والحنكة فاجأ أشد المتفائلين ، وهذا تكرس في خطاب الاخ خالد مشعل الاخير حيث لمسنا تطورا سياسيا كبيراً وهامشا للمراوغة افقد الغرب وأعتى الدبلوماسيين صوابهم ، ولكن وللأسف لعل هذا التقدم المذهل قد صدم بعض المتربصين وارادوا الاستفادة من حالة الخواء الفكري لدى شرائح مجتمعية كبيرة في هذا العالم ليحاولوا بسذاجة تم تغليفها بصياغات عاطفية وجامدة أن يصورا الخطاب بانه انسلاخ عن الايديولوجيا وبداية التنازل ومحاكاة تجارب مريرة أخرى ، كما وتكامل الجهد الخبيث مع دراسة ساذجة للمعهد الامريكي للسلام والذي تحدث عن تغيرات ايديولوجية لدى الحركة ، والذي اجيب عليه في ضوء ما قدمته بأن الايديولوجيا يجب أن تمر وسائلها وآلياتها بعمليات تهذيب واعادة تقييم وصياغات وبذل الجهود المضنية لجعل المصلحة المجتمعية في لب الايديولوجيا ، وهذا في حالة الايديولوجيات المنبثقة على الدين الاسلامي والفهم السليم والواعي للنص المؤسس القادرعلى مواكبة كافة المتغيرات يعتبر أكثر نضجا ومقدرة على إستيعاب الواقع المعاش ومجمل التغيرات الحاصلة ، وهذا بطبيعة الحال يحتاج لنضج فكري لدى قيادة الحركة في كيفية فهم النص المؤسس والتغيرات الحاصلة ووضعها في الاطر الصحيحة ويتطلب ايضا نضجا سياسيا وتنظيميا ومجتمعيا كبيرا وليس بالامر الاعتباطي .


زوبعة في فنجان !

على ضوء ما تقدم يتبين لنا بأن الايديولوجيا المنبثقة من الدين الاسلامي – والتي تتبناها حماس- تشكل حصانة فكرية وسلوكية للحركة واطاراً محددا وصلبا يمنع الانحرافات الكبيرة ، كما وتشكل رافعة وداعما صلبا لها وهذا ما أكدته الوقائع والتنامي الملحوظ في ثقل حماس السياسي والاجتماعي .

فالحديث اذن عن انسلاخ وانحرافات وتغيرات تطال الجوهر والمضامين الأساسية ما هو سوى هرطقات يرفضها الواقع والحقيقة ، وما حصل من قبل بعض الاحزاب خاصة المجهرية منها وبعض الدراسات السطحية لن يغير من واقع كون حركة حماس تتمتع بايديولوجيا صلبة - لم تتجاوزها يوما – ومرنة – قادرة على مراعاة متغيرات الواقع دون ذوبان – وفعالة – قادرة على احداث اختراقات كبيرة واكساب الحركة دينامية وثقل مكناها من لعب دور هام على صعيد القضية الفلسطينية وقضية الامة ككل - .


عامر سعد

للإطلاع على التفاصيل