4.7.09

فلسفات التغيير



التغيير مصطلح لطالما ارتبط بمجمل المنعطفات التاريخية المفصلية ولطالما اعتبر اساساً للتقدم والرقي البشري على مدار العصور والازمان ، فالمصطلح ينطوي على مضامين التطور والنهوض والتقدم والاصلاح والتي تعتبر مرتكزات اساسية لسيروة العالم ككل .

لكن في المقابل يعتبر مصطلح التغيير من المصطلحات المثقلة بالدلالات المتنوعة والمتناقضة ويحمل ابعادا كثيرة ومتباينة جعل من تمحيص هذا المصطلح بغية الوصول لتعريف جامع امراً شبه مستحيل ، وذلك عائد لكون المصطلح مر بصيرورات كثيرة تبعاً للظروف الموضوعية والانساق الفكرية والانماط التربوية والمعيشية ، والذي أدى بطبيعة الحال لبروز فلسفات متباينة ازاء التغيير ووسائله – تجنبت هنا الدخول في جدلية كون التغيير وسيلة أم فلسفلة أم مذهب وايديولوجيا متبناة - .

وفي هذه الدراسة المقتضبة جدا – والتي حرصت فيها على السلاسة في الطرح قدر الامكان - سأحاول التصدي لأهم تلك الفلسفات بغية اعطاء تصورات واضحة الملامح تسهم في وضع الاخوة الاعضاء على اعتاب المعايير السليمة في الحكم على فلسفات التغيير المتبناة من الاحزاب والحركات داخليا وأيها الكفيلة بتحقيق النهوض واستعادة الحقوق وأيها ذات طابع شمولي يستطيع استيعاب الظروف الموضوعية ومعالجة مختلف التحديات والتهديدات التي تواجهنا .


1-فلسفة الإصلاح الاجتماعي :-

هي فلسفة قائمة على خلق بنية اجتماعية ذات منهجية فكرية واحدة بغية تحقيق اهداف وغايات مشتركة ، ويتم ذلك عن طريق ثلاثة مراحل اساسية هي التعريف والتكوين والتنفيذ – وهي مفاهيم عامة لا تختص فقط بجامعة الاخوان المسلمين - ، فمرحلة التعريف تبدأ ببلورة النهج لدى الفرد الذي يعتبر المؤسس لتلك الجماعة أو الحزب ، والذي يعمل على نشر الفكرة العامة للمنهج بين الطبقات المجتمعية - وهي فترة وعظ وارشاد وعمل اجتماعي مؤسسي - من اجل خلق بنية اجتماعية تساهم معه في تغيير عقيدة النظام القائم أو دحر المحتل واستبداله بمنهجه والذي إما ان يكون منهجا ربانيا أو منهجا مستمدا من ثقافة وتاريخ الأمة أو الإثنين معا .

ومن ثم مرحلة التكوين والتي يكون جوهرها انتقاء عناصر تحمل مزايا مميزة والقيام بزرع أهم أسس ذلك المنهج وتبعئتهم بمفاهيمه وخلق منظومة قيمية تتسق مع ذلك المنهج وغاياته ، ويتم ذلك عبر التربية الممنهجة والتي تستهدف الجوانب النفسية والجسدية والفكرية والروحية للفرد ، ومن ثم تتسع الدائرة لتشمل الشرائح المجتمعية برمتها بعد أن يكون الاساس متينا ، وهنا حصل الاختلاف بين جماعة الاخوان والقوميين العرب ، حيث تعتمد الاولى على التربية الشمولية اما الثانية فتأسست على الجوانب العاطفية والاثارية لا اكثر مما اضعفها وأدى إلى تآكلها .

المرحلة الثالثة وهي مرحلة التنفيذ وهي مرحلة شمولية لأنها لا تتخذ شكلا اصلاحيا تدريجيا فقط باعتبارها انبثقت من البنى المجتمعية بل تستطيع ان تتخذ شكلا ثوريا أو انقلابيا لتغير النظام القائم في حال عجز شكل من اتمام ذلك .

ايجابيات تلك الفلسفلة :-

1-استحالة الفناء : وذلك بسبب اعتمادها على بنى اجتماعية راسخة تم تربيتها لعقود مما يجعل حدوث تفسخ أو اندثار امام أعتى وأشد المحن والابتلاءات والعواصف أمراً مستحيلاً – باستشناء التي تقوم على تربية عاطفية محضة - .
2-حتمية تحقيق الاهداف : لأنها تعتمد في بناء المنهجية الفكرية للبنى الاجتماعية على مفاهيم ذات طابع دفاعي مستميت كالتضحية والبذل والجهاد وهذه مفاهيم تستحيل معها وجود مفردات الاستسلام والخنوع والنكوص والردة .
3-الشمولية و التي تمكنها من الافتعال في عملية التغيير من شكل لأخر – من اصلاحي لثوري أو انقلابي - .

سلبياتها :-

1- يؤخذ على تلك الفلسفة انها تحتاج لوقت طويل للوصول لأهدافها وغايتها .
2-تعتبر بعض وسائلها ومراحلها - خاصة عملية التكوين – في بعض التجارب سكونية ومنسلخة عن الواقع الموضوعي والمجريات المفصلية في واقع تلك المجتمعات .
3-بعض تجارب تلك الفلسفة لم تتجاوز مرحلة التكوين وبقيت في اطار تنظيري واجتماعي محدود .

لكن اثبتت التجارب وخاصة في فلسطين دحض تلك السلبيات ورسخت قاعدة هامة وهي " التربية ومن ثم المواجهة الواعية " وليس " التربية عبر المواجهة " والتي تبنتها حركات فلسطينية في مراحل سابقة .


2-الفلسفة الثورية :-

الثورة تعني : تغيرات فجائية جذرية - تغيرات ذات طابع راديكالي - .
اما التفسيرات إزاء ماهية الثورة فانقسمت حسب تنوع الفلسفات إلى :-
1-طرف اعتبرها اداة للتقدم الانساني وهذا رأي بعض الحركات التحررية والماركسية .
2-وطرف اعتبرها ارتكاسات بدائية وهبات بربرية وهذا رأي النظم الديكتاتورية والاقطاعية ومنظريهم مثل الفيلسوف الالماني نيتشه .

وتقوم هذه الفلسفة على أساس التوعية النخبوية المحدودة – مع وجود مفكرين للثورة في بعض الاحيان- والتي تقوم بدورها بتحشيد المجتمع وكسب تأييده عبر الخطابات الملتهبة وتنمية الاحقاد والضغائن تجاه النظام المستهدف والقيام بايضاحات مقتضبة والتركيز على جوانب الظلم والقهر الواقعة عليهم بأسلوب عاطفي – ديماغوجي - يلهب ويثير الانفس ويلامس المدركات بسهولة ومن ثم افتعال الاضطرابات والاشتباكات وإثارة العنف وادامتها بغية استعادة الحقوق أو تغير النظام القائم ، بمعنى انها فلسفة تسير في خطين سياسي وعسكري .

وتنقسم الفلسفة الثورية بدورها لقسمين :-
1-فلسفة ثورية طبقية تهدف لرفع الظلم عن طبقات اجتماعية تمارسه طبقات اخرى ومثال ذلك الثورة الشيوعية تجاه الطبقة البرجوازية .
2-فلسفة ثورية تحررية تهدف إلى دحر المحتل الذي ينهب مقدرات البلاد ويمعن في طمس الهوية والكيانية لتلك الشعوب الواقعة تحته .

ايجابياتها :-
1-تحتاج لوقت أقل للوصول للأهداف في بعض التجارب .
2-اعتمادها على عنصر المفاجأة والذي يربك الخصم ومخططاته في بعض التجارب .

سلبياتها :-
1-فوضوية : حيث انها تؤثر على بعض مقدرات الشعوب وأسس نهضهتم من خلال استهداف مؤسسات شعبية من المفترض أن تكون خارج الصراع أو مساهمة في تحقيق النصر مثل الاضطرابات واعمال الشغب التي تتضرر منها المرافق العامة .
2-تحمل بذور الدكتاتورية : كونها تعتمد على شخوص بعينهم وهذا ما اثبتته بعض تجارب الشعوب التي اعتمدت فيها بعض حركاتها التحررية على تلك الفلسفة وايضا كون الدكتاتورية كامنة في نهجه بعض تلك الاحزاب خاصة الماركسية منها والتي تسعي في بعض مراحالها " لدكتاتورية البوليتاريا – الطبقة الكادحة- " .
3-تحمل بذور فنائها : وهي نقطة تعتمد على النقطة الثانية وتنطلق منها كونه لا يوجد رسوخ لنهج وافكار الثورة في البنى المجتمعية والتي سرعان ما تزول امام اي نكسة أو مشاكل تعتري نظام الثورة مما يعني بداية ثورة جديدة .
4-التقسيمات المقيتة خاصة في الفلسفة الثورية الطبقية – طبقة العمال والبرجوازيين وغيرها .


3- الفلسفة الانقلابية :-

وهي فلسفة قائمة على سيطرة فئة من المؤسسة العسكرية على الحكم بالتعاون مع زعماء محليين أو فئات محدودة أو بدونهم، وهي بذلك لا تعتمد وسائل تربية حقيقية سوى عمليات تربية خجولة لفئات محدودة مما يبقي عملية التربية والتنظير أسيرة اطار فكري تنظيري لا أكثر ، ويرافق ذلك سفك دماء وتعطيل المؤسسات التشريعية والحياة الديمقراطية في البلاد بشكل مؤقت وأحيانا دائم ،وتعتمد هذه الفلسفة على وجود مطامع واهداف لدى قطاعات في المؤسسة العسكرية يتم اذكاؤها من داخل المؤسسة أو من خلال احزاب وفئات خارجية تتقاطع بعض مصالحها مع تلك القطاعات أو من خلال استمالة تلك الاحزاب لبعض قطاعات المؤسسة العسكرية بالاقناع أو بشراء الذمم ، والتاريخ البشري يعج بعمليات الانقلاب العسكري ، كما أن هناك احزاب تتبنى تلك الفلسفة مثل حزب التحرير – على وجه التحديد تحت باب طلب النصرة - والذي يعتبرها وسيلةً جوهريةً لإقامة الخلافة .

ايجابياتها :-

ولعل هذه الفلسفة لا تحمل ايجابيات الا في اطار التمني أن تكون الفئة الانقلابية افضل من سابقتها وترسي دعائم الحياة الديمقراطية والمؤسسية والامن في البلاد بعد سيطرتها .

سلبياتها :-
وهي سلبيات لا تختلف عن سلبيات الفلسفة الثورية في اشكالها ومضامينها وهي كالتالي :-

1-الدكتاتورية : كونها تقوم على فئات محدودة .
2-تحمل بذور فنائها : كونها لا تعتمد على خلق بنية اجتماعية وكون الشعوب بطبيعتها تنحاز للأقوى - عند غياب العقيدة ومنظومة قيمية صلبة - كما اكد ميكافللي والتجارب التاريخية المختلفة.
3-انتهاء الحياة الديمقراطية لعقود كون الانقلاب يصبح ثقافة حزبية و مجتمعية .


خلاصة هامة :-

مما سبق يتضح أن أهم المعايير للحكم على نجاعة أي فلسفة للتغيير - خاصة التي تتعلق بالاحزاب الاسلامية – يجب أن تتميز بالآتي :-
1-ان القيم التي تطوعها الاحزاب التي تحمل ايديولوجيا متكئة على الدين الاسلامي يجب أن يكون لها ارضية اجتماعية .
2-شمولية فلسفة التغيير بحيث تحمل في طياتها هامشا واسعا للتنوع واستيعاب اشكال التغيير المختلفة .
3-انتهاج مبدأ التربية والتعبئة والتثقيف باعتبار التغيير عملية واعية في جوهرها وليست عملية عفوية واعتباطية تؤدي إلى ارتكاسات على كافة الاصعدة مما يؤدي إلى سقوط تلك الاحزاب سريعا .


عامر سعد
للإطلاع على التفاصيل