17.6.09

إعلام وكالة معا ... من سلطة رابعة إلى سلطة خانعة !!عامر سعد






لفترة قريبة كنت أتبنى وبحماسة طرحا يقف على النقيض من مقولة الفيلسوف البيرطاني الشهير ادموند بيرك والتي تنص على اعتبار الاعلام سلطة رابعة ، فالايقاع المتسارع لسيرورة العالم وجموحه الصاخب ومجمل عمليات التطور التقني والمعرفي الهائلين دفعني إلى اعتبار الإعلام سلطة اولى لها دور ريادي في حركة المجتمعات البشرية ولها اليد الطولى في تكوين البنى السياسية وتحديد ملامح السلوك الانساني .

وهي بهذا الدور تتخطى الدور الكلاسيكي الذي رسمه ادموند بيرك ومن بعده باعتباره سلطة رابعة لها دور رقابي على السلطات الثلاث ومجمل الظواهر المجتمعية بغية تقديم الحقيقة لجمهورها ومحاربة كل عمليات التضليل والتزييف ووضع الاقنعة ، مرتدية بالمقابل تاجها الملكي والذي تستقيه من مصداقيتها ومهنيتها بعيدا عن القولبة والجمود ووضعها على لوحة أدوات السياسين والمجموعات والاطر الانتهازية والضيقة .

الاعلام في فلسطين .. يرسف في قيود السياسيين !!

لكن ما جعل هذا الطرح الذي قدمته آنفا طرحا طوباويا لا يرقى لمستوى الواقع وتصيبه ارتكاسات تنفي عنه صفة الموضوعية ،واقع الاعلام في فلسطين وعلى وجه الخصوص من يتبنى الحياد الاعلامي - مستثنيا بذلك الإعلام الموجه والذي تناولته بابحاث ومقالات سابقة - والذي لم يقبل بالتربع على العرش الملكي المعد دائما للإعلام ورضي بدور الحاشية في بلاط بعض الاحزاب السياسية مما أدى إلى ان ترتقي مصطلحات التضليل والكذب والشكوك فوقه بكل يسر وسهولة ، متناسيا – الاعلام الفلسطيني " الحيادي " افتراضا - بذلك أهم المفاهيم والقواعد التي صاغت بنية الاعلام الحيادي والموضوعي والذي يجتهد في خلع رداء الولاء الحزبي ومحاربة النزوات الفردية والنضال الدؤوب لتقديم الحقيقة للرأي العام بوصفها الكفيلة ببقاء البوصلة موجهة اتجاه التحرر واستعادة الحقوق وتحقيق النهضة المنشودة .

وكالة معا وهرطقات الحيادية !!

لقد أصبح من الترف والعبثية الفكرية الحديث عن الحيادية في الاعلام الفلسطيني ، بل لم يعد مقبولا الابقاء على هذا المصطلح باعتباره تحول لأداة رخيصة في يد البعض يخفي وراءه قبحه وخسته ، وحتى لو سلمت لبعض المطبلين بوجود اعلام يقارب ذلك الوصف اصطلاحا في واقعنا الفلسطيني فهو لم يكن في يوم اعلاما حياديا حقيقيا بأية حال ، لأن الاعلام لم يكن في يوم حمارا يحمل اسفارا ولم يكن في يوم وسائط نقل لروايات لطالما حملت التضليل والكذب في احشائها ، بل كان وعلى الدوام اعلاما حاذقا يسبر اغوار الاحداث ومجمل السلوكيات المجتمعة بدون ان يرتاع من جلاديها وكل ذلك لتقديم الحقيقة وفهم الامور لا غير ، وليتهم – من ادعوا الحياد – لعبوا دور الاعلام الحيادي السلبي الذي يكتفي بنقل الروايات على علاتها !.

فما نشهده من سقوط الوسائل الاعلامية المتشدقة بالحيادية الخرافية في براثن بعض الاحزاب السياسية وتحولها الفاضح لجوقات مساندة لتلك الاحزاب والتكتلات هو المشهد المسيطر على الساحة الاعلامية في فلسطين ، وأصبح جل اهتمام بعض الوسائل الاعلامية التي تبنت الحيادية في بادىء امرها هو البقاء على قيد العمل ولو أدى ذلك الى نزع رداء الحيادية والقبول بالتلون الحزبي الفاقع مما أفقد الاعلام الفلسطيني المحايد مصداقيته ومهنيته في نقل الحقيقة للراي العام الفلسطيني والتي كانت وبلا شك ستسهم في فهم الاحداث الاخيرة التي سيطرت على ساحتنا الفلسطينية خاصة بعد الانتخابات التشريعية عام 2006 وإلى الان ، ومعرفة أي الاطراف الفلسطينية ما زال يسير على الخط الوطني المتعارف عليه في ابجدياتنا كفلسطينيين ومازال ينتهج اجندة ذات صناعة وطنية والتي لايمكن معرفتها سوى من خلال اعلام حيادي يسلط الضوء على ماهية الخطاب السياسي ومفاعيله على القضية الفلسطينة .

وهذا يقودني للحديث عن جوهر مقالتي اليوم وهو حقيقة اعلام وكالة معا الاخبارية الفلسطينية والتي تبنت الحيادية كعقيدة لها والسلوك المهني الموضوعي كشعار خلاب في تناولها لكافة حيثيات الشان الفلسطيني ، لكن تبين زيف تلك الشعارات وبان قبح تلك الوسيلة الاعلامية والتي توسم الكثيرون فيها خيرا .

فالحيادية تبين انها عقيدة جوفاء والسلوك المهني الموضوعي تبين انه شعار " ناصري " فضفاض بل والانكى من ذلك ان الوكالة غادرت الحيادية ليس لتنتقل لصفوف الحيادية السلبية أي نقل الروايات من كل الفرقاء الفلسطينين وعرضها كما هي ، بل تهاوت تلك الوكالة وارتضت ان تتحول لجوقة مساندة لحركة سياسية معروفة وأصبحت ناطقا باسم رواياتها وحبل نجاة لمآزقها وارتكاساتها الوطنية الفاضحة ، ومركزا لبث سموم تلك الحركة في مدركات الرأي العام دون ان ترتاع من خطورة ذلك وانعكاساته على القضية الفلسطينية التي تشدقت الوكالة بابرازها والعمل لأجلها .


وكالة معا في ضوء الاحداث الاخيرة !

وحتى لا يكون اتهامي انشاء سياسيا فاقدا للعلمية ، أردت أن اتطرق للأحداث الاخيرة التي حصلت في قلقيلية على وجه الخصوص وكيفية تعاطي وكالة معا معها ، فأقول الم يكن حريا بوكالة معا باعتبارها تتبنى الحيادية وبوجود رئيس تحرير حاذق وعلى درجة كبيرة من الفهم والوعي السياسي من التطرق لأحداث قلقيلية وان يقدم ناصر اللحام كما يفعل دائما مع اي حدث جلل على ساحتنا الفلسطينية او الدولية تحليلا يقف فيه على حقيقة الامور ؟؟!! أم أن ناصر اللحام أصبح عشية احداث قلقيلية انسانا قاصرا عن فهم الاحداث السياسة على ساحتنا الفلسطينة وعاجزءاً عن حلحلتها ؟؟!! وهل تخلى ناصر اللحام ووكالة معا عن المهنية الاعلامية المتمثلة باظهار الحقيقة لجمهورها بعدم تقديم تحليل غوري يكشف حقيقة الاحداث ويريح الانفس ويضع حدا للتضارب الكبير في الروايات والشيطنة المتبادلة ؟؟!! وهل الاعتماد على استطلاع رأي غير مهني عقب الاحداث ينهى المسؤولية الاعلامية يا معا!!

وليت الموقف من قبل الوكالة توقف عند عدم اظهار الحقائق ، بل ارتكبت الوكالة جريمة لا تغتفر بالاسقاط المتعمد لروايات مراكز حقوق الانسان ، فلقد قدم مركز الميزان لحقوق الانسان رواية حول احداث قلقيلية لكن لم تعره الوكالة اهتماما وتعمدت اخفاءه قصدا ، والباعث على الأسى أن الوكالة تبنت وبعد ايام تقرير لمركز الميزان حول قضية اخرى تخص الشان الفلسطيني ، فهل الحيادية والموضوعية مزاجية وانتقائية في عرف معا أم انها المؤامرة والتماهي مع احد الاطراف على حساب الآخر !! .

على ضوء ما تقدم أوجه رسالة اخيرة لوكالة معا مفادها بأن الغلالة التي تخفين وراءها سوءتك قد سقطت وبأن هوية الوكالة لم تكن بيوم حيادية وطنية ، ولعلي هنا لم اتطرق لكيفية نشات تلك الوكالة ومن دعمها ولم اتوقف على كثير من المخالفات والتعاطي السلبي الشائن ازاء كثير من الاحداث السياسية على ساحتنا الفلسطينية ، لكن اقول بأن الشمس لا تغطى بغربال وبان رائحة الانحياز والتلون الفاضح أزكمت انوف كل فلسطيني ،فمتى العودة يا وكالة معا ؟؟ متى العودة لتقديم اعلام حيادي يحمل الهم الوطني والذي ما زلت موقنا بتمثله في واقعنا يوما ما ؟؟؟ متى تعودين كصاحبة جلالة تتربعين على عرشك وتلبسين تاجك دون عودة لدور الخادمة في حاشية البعض ؟؟ متى يعود الاعلام لسلطة رابعة على الاقل بعد ان ساهمت بتحويله لسلطة خانعة ذليلة تنسلخ عن ادوارها الاساسية ؟؟ متى .......



عامر سعد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق