17.6.09

الأوتوقراطية .. مرض يرسم تاريخ فتح وحاضرها !!





لعل الأحداث الاخيرة دعتني لكي أعود وأنفض الغبار عن أوراق أضحت مهترئة ومن الماضي أو إن صح التعبير خردوات نخرجها من غياهب الظلام لتربطنا بالماضي السحيق ، فهذا هو حال النظام الاساسي لحركة فتح وكراساتها التنظيمية في ظل واقع فتحاوي ارتدى طابعا متنكرا لكينونته وهويته الحقيقية .

فعندما بدأت بتصفح النظام الاساسي لفتح استملكتني للحظات نشوة افتعلتها تلك المصطلحات والعبارات البراقة التي احتواها ذلك النظام خاصة - بما يتعلق بالاسس والمنطلقات الحزبية والحركية المثالية - لكن ما لبث الأمر أن تغير عندما حاولت اسقاط هذه الصياغات والقواعد المفعمة بالمنطلقات المثالية على تاريخ المسلكية التنظيمية لحركة فتح على امتداد ما يقارب الخمسة عقود , هذه الصياغات والمنطلقات التي أضحت حتى في عرف فتح هرطقات ويوتوبيا خطتها ايدي كتاب هذا النظام والذين لا أجد لهم سوى مصطلح " الافلاطونيون الجدد " ليوصف حالهم الباعثة على الشفقة والأسى .


مصطلحات يعلوها الغبار !

لعل معيار نجاح الاحزاب والحركات يكمن في تجسيد مجموعة من القواعد والمنطلقات التي تشكل ابجديات لا بد لكل تنظيم تكريسها في مؤساسته وكوادره ، فالمركزية الديمقراطية والقيادة الجماعية والعمل المؤسسي والنقد البناء والمرجعية الفكرية والانضباط التنظيمي تشكل أحد اهم اسباب نجاح الاحزاب والحركات والذي يتمثل في الوصول للحكم باعتباره الهدف الاستراتيجي لها وأن تحظى بتأييد االشرائح المجتمعية كونها تعبر عن آمالها وتطلعاتها وتسعى لتحقيقها بكل الوسائل المتاحة .

لكن لعل تلك الامور لم تكن سوى شعارات جوفاء تمترست خلفها حركة فتح واستخدمتها فقط عندما تحين الاستحقاقات الانتخابية والمناظرات الحزبية لا أكثر ولم تعكس نفسها على خطاب وممارسة حركة فتح والتي طغى عليها وأضحى عنوانها الاوتوقراطية كمصطلح يصف حالة الشخصنة التي طغت عليها خاصة منذ سيطرتها مع باقي التنظيمات على منظمة التحرير الفلسطينية منذ اواسط عام 1968 وإلى الآن .

فقد اختزلت نضالات فتح والكفاح المسلح برمته بالنخب البيروقراطية الضئيلة التي افرزهتا الحالة الثورية والتي تحولت مع الزمن ايضا لمجرد شخوص تتحكم في الساحة السياسة الفلسطينية دون رقيب أو حسيب , وايضا قامت بتعطيل المؤسسات – العمل المؤسسي - التي شابهت مؤسسات الدول المستقلة وانتهجت ممارسة فردية أدت بنا إلى كوارث وانفاق مظلمة شتت الجهد الفلسطيني وافقدتنا كثرا من حقوقنا وثوابتنا .


موجز تاريخي للمرض !
لن ادعي المعرفة الطبية هنا لكن لتشخيص أي حالة مرضية لابد من معرفة دقيقة لتاريخ المرض وتطوره وابرز تجلياته على الكائنات – أو الهيئات - التي يصيبها ، وعلى ضوء ذلك فإن تاريخ هذا المرض الذي استبد بفتح برز منذ بزوغ شمس الرئيس الراحل ياسر عرفات – الذي لا يستطيع أحد إنكار تضحياته الكبيرة - على مسرح الاحداث بقوة وامساكه بزمام الامور في حركة فتح ، والقارىء لتاريخ القضية يلمس ذلك بشكل كبير ، فما تمتع به عرفات من كاريزما وقدرات أدت إلى كسب تأييد كبير مكنه مع مرور الوقت بالاستئثار بالقرار الفتحاوي بل والفلسطيني برمته - باعتبار فتح كبرى فصائل منظمة التحرير – والذي توّجه الرئيس الراحل " بسياسة الاحتواء والعداء " إزاء معارضيه داخليا وفي الحركات الفلسطينية الاخرى مما أدى لفرض رؤاه وتصوراته على البرنامج والسلوك السياسي الفلسطيني .

وتكرست تلك الاوتوقراطية على الساحة الفلسطينية بطرح وتبني مجموعة من البرامج والحلول التي كانت في جوهرها تنازلية وذات انعكاسات مأساوية على القضية الفلسطينية والتي ادت لبروز جبهة الرفض في حقبة السبعينات وحماس والجهاد في حقبة التسعينات والتي عارضت فرض الحلول والرؤى من قبل ياسر عرفات .

كما وأدت سياسات ياسر عرفات في تلك الحقبة وما بعدها إلى حدوث انشقاقات وجملة من المعارك " الجانبية " والتدخلات في الساحات العربية – دون إغفال للعوامل الاخرى التي ساهمت في صنع هذه الاحداث بطبيعة الحال - والتي ازالت الهالة عن القضية الفلسطينية و أضعفت الزخم الثوري الفلسطني وعملت على تبدده وضياعه خاصة بعد عام 1982 واستمر الحال مع بداية العملية السلمية والتي لعب الرئيس الراحل الدور الاساسي فيها دون مبالاة باعتراضات التنظيمات الفلسطينية الاخرى ليصل الامر لحذف مواد في الميثاق الوطني الفلسطيني وضياع جزء كبير من الارض الفلسطينية .

وقبل استشهاده بسنوات قليلة دخل ياسر عرفات في صراعات للبقاء على كرسي السيادة خاصة عندما حاول محمود عباس وبدعم خارجي من سحب البساط من تحت أرجله ، والتي كللت اخيرا بالنجاح وبوفاة عرفات في ظروف غامضة ، وبعد وفاة عرفات ورثه محمود عباس والذي تكرس في عهده المرض وازداد انتشارا واتخذ اشكالا أشد مرارة وقسوة على واقعنا الفلسطيني لم يكن ليرضى بها الرئيس الراحل رغم ما يعانيه عباس من ضعف وبروز ظروف موضوعية اهمها بروز حماس على المسرح السياسي بقوة .


حاضر ومستقبل المرض على الوضع الفلسطيني :-


لعل هذا المرض كغيره من الامراض آخذ بالتطور وهذا ما أكدته المرحلة الحالية فلقد أدى سلوك عباس الاوتوقراطي إلى توهان البوصلة الفلسطينية وإلى احداث الانقسامات وتكريسها في الواقع الفلسطيني والذي كان آخرها فرض حكومة جديدة اعتبرت المسمار الاكبر في نعش المصالحة ومحاولة رأب الصدع وتوحيد الجهد الفلسطيني وإلى الحيلولة دون انعقاد المؤتمر السادس لحركة فتح حتى يكون على قياساته ويخدم مصالحة ويكرس نفوذه غير آبه بالوضع الفلسطيني والتحديات الماثلة امامه والتي تهدده انطولوجيا " وجوديا " .

و إذا لم يتم معالجة هذا المرض بشكل عاجل من قبل الجسد الفتحاوي المخلص والشريف فإن ذلك المرض سيزيد الامور سوءا وينذر بعواقب وخيمة تطال الكل الفلسطيني باعتبار حركة فتح حركة فلسطينية تمثل شرائح كبيرة من شعبنا ولها تضحياتها ومفاعيلها على الساحة الفلسطينية .

وأختم بالقول أن التاريخ لم يسجل ان نزوات الاشخاص وتصوراتهم أضحت قدرا ملازما للشعوب وايضا رغم ان الاوتوقراطية عدوة الشعوب فإنها لا تدوم بوجود نخب وتجمعات وشرائح تحمل هموم هذا الشعب وتسعى لحلحلتها بعمل مؤسسي سياسي واجتماعي بامتياز
.



عامر سعد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق