17.6.09

بين السفسطائية والموضوعية في نقد حماس !! ... قراءة متأنية


لا يشك احد بأن حركة حماس قد أضحت بسبب ثقلها السياسي والتنظيمي الآخذ بالتصاعد والزخم السلوكي " التجريبي " على كافة الاصعدة والمحافل عرضة للنقد والتحليل والدرس كظاهرة اجتماعية سياسية وفكرية لا يمكن غض الطرف عنها عند دراسة الشأن الفلسطيني والاقليمي .

كما يجب علينا أن نقر بأن حماس قد أضحت مادة دسمة لابد من دراستها كونها تمثل تجربة سياسية غنية سيكون لها مخرجات سترفد الحقل السياسي والنظرية السياسية والذي من بين ما يعنى به هذا الحقل الاحزاب والحركات والتكتلات السياسية .

وبالتالي من نافلة القول الإقرار بأن حماس أصبحت موضعا للبحث والتحليل والنقد المنهجي وغير المنهجي ، وتأخذ حيزا هاما في الدراسات السياسية والاكاديمية والمقالات والخطاب السياسي والاعلامي التي تتناول القضية الفلسطينية والمنطقة برمتها ، لكن ما انا بصدده هو تقييم التعاطي السفسطائي – المنطق المخادع- من قبل بعض الشخوص التي تصر على ان تضع نفسها في خانة النخب المثقفة والتي يفترض أن تتسم بتناولها القضية الفلسطينية والوضع الفلسطيني ومن ضمنه حماس بكل موضوعية وواقعية محضة .

جدلية التحليل الفلسفي والعلمي في حقل السياسة :

إن من أهم المعضلات التي تواجه علم السياسة باعتباره ظاهرة اجتماعية انسانية تعنى بدراسة السلوك السياسي الانساني هي كون الانسان ظاهرة غير مستقرة يصعب اخضاعها للدرس و الاحتواء في إطار من المبادىء والتعميمات الجامدة ، وهذا يقود إلى نسبية انماط التحليل السياسي " الفلسفي والعلمي – التجريبي – " في حكمها على الظاهرة السياسية ، فالتحليل الفلسفي يعتمد فقط على جملة من الانطباعات والمنطلقات المجردة لصاحب هذا التحليل في المقابل فإن التحليل العلمي " التجريبي " يستقي تصوراته واستنتاجاته من معطيات الواقع المعاش والتجربة الحية .

ومع افضلية التحليل العلمي فإن الجدلية القائمة بين التحليلين قد اخذت طابع تصارعي سيبقى يهدد موضوعية تناول الظواهر السياسية كونها مزيج من الشق المثالي – المتمثل بالمعتقدات والمبادىء والذي له دور كبير في ماهية السلوك – والشق السلوكي المادي .

وكون حماس ظاهرة سياسية بامتياز فقد عانت من التناول القاصر لها بين طرف حاول اختزالها بتعميمات وأحكام تتسق مع خلفياته الايديولوجية والفكرية وبين طرف تعامل بانتقائية ازاء السلوك والممارسة السياسية والعسكرية والاجتماعية لحماس دون وضعها كإفرازات لأنساق فكرية ايدلوجية سياسية تنتهجها الحركة على مدار 21 منذ تأسيسها عام 1987 ، كما لابد من التنويه لوجود عقبة تواجه دراسة الظواهر السياسية تتمثل في ضعف وندرة المعلومات وعدم الاطلاع على سير الامور بشكل مطلق .

ماهية المثقف وحقيقة تمثيله في واقعنا الفلسطيني :-

إن المثقف - كما يؤكد كبار الكتاب - شخصية يصعب التكهن بماهيتها وما ستقوم به في الحياة العامة ويصعب اختزالها في مذهب فكري جامد أو تلخيصها في شعار محدد أو حزبية ضيقة فمعياره في الحكم على الامور نابع من قضايا الشعوب ومظلومياتها ، وهو ايضا شخص يحمل قيم ومعاني سامية تجعله لا يقبل بأنصاف الحلول وهو شخص تتمثل مهمته في تحطيم قوالب الانماط الجامدة التي تحجر على العقول وعلى الفكر الانساني بشكل عام .

لكن ما نلاحظه في ساحتنا الفلسطينية في ضوء معرفتنا بماهية المثقف أن هناك محاولات غير جادة وذات طابع انتهازي دنيء أو شكلي ومثالي في أفضل الحالات لبعض الكتاب والمحللين الذي يحاولون جاهدين أن يصنفهم الشعب كطبقة مثقفة تتبنى القضية والهم الفلسطيني , فالطروحات التي يقدمها هؤلاء لا تتسم بالتناغم مع الدور الحقيقي الذي يجب أن يلعبه المثقف في مجتمعه ، فبعضهم ما زال يعيش في برجه العاجي يكتفي بتقديم نصائح وانتقادات مجردة يفشل هو بنفسه في ترجمتها على أرض الواقع كأنه تناسى أن الدور الحقيقي للمثقف ترجمة أقواله وآرائه على ارض الواقع ، وبعضهم يحاول أن يقف على الحياد في تناول الشأن الفلسطيني خاصة الشق الحزبي لكن هو نفسه يقع من خلال المؤشرات التي لاتخطئها العين في هذا الشرك المقيت لوجود قصور فكري أو انجرافه مع تيار الخلافات والتجاذبات الحادة والمحمومة ، وبعضهم إتخذ المسمى لتحقيق نواياه الخبيثة والتي تستهدف بعض الاطراف على حساب اخرى خدمة لفئات وتكتلات يتبين ان الكاتب محسوب عليها ضمنا او سراً والذي يقوم بمهمته معتمدا على الفزلكة الكلامية والمنطق المخادع – السفسطائي – ومتسلحا بوقائع ومواقف وتصريحات انتقائية ومحوّرة بدهاء وخبث .

لكن علينا ايضا الا نغفل وجود طبقة مثقفة بكل ما تحمل الكلمة من معنى وتحمل الهم الفلسطيني وتتناول الشان الفلسطيني والفصائلي على وجه التحديد بكل موضوعية يحكمها في ذلك صدقية سلوك تلك الحركات واتساقها مع حقوق وآمال وتطلعات شعبها ، ولكن لا يخفى على أحد الحملة الممنهجة لتغيب هؤلاء ولطمس وجودهم في ظل الصراع الفصائلي المحموم والذي لا يقبل من تلك الطبقة مجرد النقد أو تبني مواقف قريبة من أحد الاطراف .

محاولة وضع النقاط على الحروف وكشف زيف الكثيرين !!!!!

حماس ونقاط القوة :-

إن حركة حماس كغيرها من الأحزاب والحركات السياسية تمتلك نقاط قوة ويعتريها نقاط ضعف , وانا هنا بصدد التناول الموضوعي المقتضب لتلك النقاط ، والتي للأسف بات الجميع يلحظ المسلسل المفرغ من الاضاءات التي تطال بعضها والاغفال الذي يطال أخرى دون التناول الشمولي والمنهجي – والذي لا استطيع ان أقدمه او ادعيه للأسباب التي ذكرتها سابقا و لكن هي محاولة لمحاكاة الموضوعية قدر الامكان – رغم أنني اسجل هنا لكتاب قدموا دراسات تقارب الموضوعية في تناول حماس.

إن من أهم مميزات حماس تمتعها بدينامية عالية مكنتها وبوقت وجيز من لعب ادوار كبيرة على الساحة الفلسطينية والاقليمية ومن فرض ثقل سياسي لا يمكن اسقاطه من معادلة المنطقة وما يطالها من سياسات الكبار ودراسات أكاديمية في حقلي السياسة والاجتماع السياسي .

كما تتمتع حماس بوجود نمو مطرد في الممارسة والنضج السياسي عبرت عنه في كثير من التحديات والازمات التي استطاعت الحركة تجاوزها و خاصة عمليات الاحتواء والاقصاء والالغاء أو التهميش ، وهنا يجب أن لا نغفل البراغماتية ذات المححدات الايديولوجية والحنكة والمرونة العالية والتي استطاعت من خلالها حماس احداث اختراقات على الصعيد الدولي وعلى صعيد المقاربات السياسية والصياغات التوافقية - خاصة على صعيد البرنامج السياسي الفلسطيني رغم التباينات الفاضحة ورغم إفشالها من بعض الأطرف لأسباب يعرفها الكثيرون - مع الخصوم رغم العدائية الواضحة والتلويح بالعصى والذي تجلى اخيرا في الخطاب التاريخي للأستاذ خالد مشعل أمام البرلمان البريطاني وفي تصريحات الإدارة الأمريكية .

ايضا لابد من التنويه لوجود قدر كبير من وحدة الفكر والممارسة والانضباطية التنظيمية العالية وتمتع الحركة بوجود قاعدة خصبة تتسم بالديمومة لوجود جهاز تربوي واكاديمي على قدر كبير من المهنية والكفاءة وجهاز اجتماعي مؤسسي استطاع التغلغل في جميع قطاعات الشعب وتقديم خدمات كبيرة كان لها انعكاسات ايجابية على شعبية الحركة ، كما لابد من عدم اغفال امر جوهري هو امتلاك ايديولوجية شمولية مثلت وعلى الدوام حصانة فكرية وسلوكية للحركة على مدار وجودها ، كما لا ينبغي اغفال الناحية العسكرية والتي اثبت حماس باقتدار امتلاكها جناح عسكري كان له دور مركزي في انتفاضة الاقصى وفي الحرب الاخيرة .

حماس ونقاط الضعف :-

وهذه النقاط اسردها في محاور اربعة :-
1- محدودية الايفاء باستحقاقات التمثيل " النيابي " للشعب والتمثيل الحكومي وإدارة الشان الفلسطيني والذي لا يكفي تبريره تحت بند المؤامرة التي تواجها الحركة والتي لا ينكرها أحد .
2- وجود هوة بين التطور العمودي في الحركة – تطور القيادات في السلوك والنضج السياسي النخب والكوادر المميزة – والتطور الافقي " القاعدي" والذي بات يلمسه الجميع والذي تمثل في غياب التناغم بين تصورات القيادة وآرائهم – والتي اعتبرها ناضجة بشكل كبير - وبعض التصورات القاعدية ووجود افكار دخيلة احدثت تلون واضطراب فكري نلمسه جميعا ، لكن يتم الحد من تأثيره بمفاهيم تربوية كالطاعة والثقة .
3- وجود تناقضات بين الخطاب السياسي وبعض القضايا الفكرية التي تتبناها الحركة خاصة حيال العلاقة مع الغرب والذي تمثل بوجود مواد في ميثاق حركة حماس خاصة المادة 22 والتي تشكك في ثورات الشعوب الاوروبية – خاصة فرنسا وروسيا – ووجود ايدي يهودية خفية ورائها ! وبين تبني خطاب سياسي يريد اعتراف اوروربي باعتبار حركة حماس حركة تحررية تطمح لنيل الحقوق وبناء الدولة ، وبعبارة أخرى عدم تناغم شمولي بين الخطاب السياسي وبعض القضايا الفكرية التي تشكل جزءا من المرجعية الفكرية لها .
4- بعض المحاولات الرومنسية في الولوج للساحة السياسية الدولية والتي لا ترضى بالدخول المجاني بل تفرض جملة مواقف لابد أن تتبناها الحركة وتقف سدا امام تلك المحاولات وتتسبب في فشلها – وهنا لا أقصد تقديم التنازلات كما يتحدث بعض "المتفيقهين " السياسين واصحاب البراغماتية التفريطية بل أقصد غياب الحنكة والمراوغة أحيانا وغياب انتهاز الفرص والحراك الدبلوماسي الفاعل واللعب على وتر التحالفات والتناقضات الدولية .
5- وجود تعبئة خاطئة لدى بعض قطاعات الحركة وغياب التثقيف الحزبي وسيادة الخطاب الحماسي – المغرق بالقداسة والرهبة - والذي يجافي الواقع في كثير من الاحيان .

خلاصة هامة :-

إن حركة حماس تمثل تجربة خصبة لابد من دراستها بكل موضوعية كونها تمثل نموذجا لفهم الحالة الفلسطينية – والاقليمية ايضا - ومحاولة النهوض بها بعيدا عن فهمها في إطار ضيق يتمثل بالاراء والمعتقدات الشخصية والتجاذبات الحاصلة وايضا بعيدا عن الحرب القائمة بين الايديولوجيات المعاصرة و " النهج السياسي الاسلامي " .

كما لابد من دراستها في ضوء الاقرار بان حماس حالة جديرة بالدراسة كونها استطاعت في عقدين فقط من الزمن أن تصبح لاعبا هاما ومؤثرا وصانعا لأحداث مفصلية تخص الشان الفلسطيني والاقليمي وتساهم في رسم شكل المنطقة سياسيا وفكريا وقلما حدث ذلك لحركة أو حزب سياسي وهذا يتطلب وجود مثقفين واكاديميين على قدر كبير من الكفاءة والمهنية بعيدا عن الآفات التي ذكرت سابقا .



عامر سعد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق