17.6.09

النكبة ....... وجدلية الحدث التاريخي والظاهرة المتجذرة



لعل عبارة التاريخ يعيد نفسه ستبقى تلقي بظلالها الثقيلة على الحالة الفلسطينية وترسم أبرز ملامحها ذات الطابع المأساوي والباعث على الأسى والحسرة ، فبعد واحد وستون عاما ما زالت فصول المعاناة والألم والذاكرة الحالمة والحنين الأزلي ماثلة في وجدان كل فلسطيني .

فتلك العقود الستة الزاخرة بشتى صنوف العسف الصهيوني والتخلي العربي والتواطىء الدولي لا تزال قائمة وما انفكت تهدد كينونة هذا الشعب وهويته السياسية والحضارية ومازال شعبنا يصارع الوجود وحلم الكيانية رغم رزوخه تحت وطأة هذا الاحتلال البغيض والذي يعتبر وصمة عار في جبين العالم الحر الذي باتت مفردات التحرر والانعتاق أبرز ملامحه والمسيطرة بشكل أوتقراطي لغوي – دكتاتورية المصطلح - على خطاباته وأجندته التي أثبتت سيروة الاحداث انه قد أضحى عالما افتراضيا هلاميا لا أكثر .


خلفيات وأسباب نكبة 48 :-

إن من نافلة القول التاكيد على ان المنعطفات الكبيرة التي تطال المجتمعات البشرية سياسيا او ديمغرافيا ليست وليدة اللحظات التحولية فقط بل تعد ثمرة إرهاصات ومخاضات وتفاعلات عاشتها تلك المجتمعات بفعل عوامل داخلية وخارجية كما أقرت بذلك السوسيولوجيا الدينامية – الفرع الذي يهتم بالتحولات المجتمعية – وعلم السياسة والاجتماع السياسي والتاريخ السياسي البشري ونواميس الحياة بشكل أعم وأدق .

وفي حالتنا الفلسطينية كانت النكبة الحاصلة عام 48 – والتي أدت الى طرد اكثر من 800 ألف فلسطيني وتدمير أكثر من 430 مدينة وقرية - والتي مازلنا نرزخ تحت تبعاتها وما افرزته من ظروف موضوعية نتاجا لعوامل ثلاثة وقفت حائلا امام بقائنا على أرضنا وعدم ضياعها وأدت إلى تشتتنا في أسقاع الارض بلا هوية ولا كيانية ومكابدتنا للويلات عبر 6 عقود كاملة .

فالقيادات المرجعية الفلسطينية " الاقطاعية –الاكليركية والرجعية " والانظمة العربية والصهاينة وحلفاؤها الامبرياليون هم من صنعوا نكبتنا واجهضوا مقاومتنا على كافة الاصعدة , فالقيادات المرجعية الفلسطينية وبفعل تشرذمها وتصارعها وبفعل تغليب مصالحها ذات الطابع الاقتصادي وعدم وضوح الاهداف الاستراتيجية وتبلور المفاهيم الفلسطينية في تلك العقول أدت إلى اضعاف الجهد الشعبي والوقوف امام محاولات انتقال الحالة الثورية الجهادية على البنية الفوقية للحركات الوطنية وترجمتها على أرض الواقع من خلال جملة من عمليات الاقصاء والاجهاض للثوارت والفعل المقاوم برمته , فبيان الشجب لثورة البراق كان فلسطينيا محضا ومن أجهض ثورة 36 كان ايضا فلسطينيا لاهثا وراء وعود هنا وهناك ، أما النظم السياسية العربية فلقد كانت ومنذ بداية التجلي الصهيوني على ارضنا متواطئة ومنسلخة عن عروبتها فمن محادثات الشونة بين النظام الاردني مع الصهاينة إلى الضغط على قيادات ثورة 36 إلى المظاهرات العسكرية الهلامية في حرب 48 رسمت تلك النظم دورها وماهيته إزاء قضية ما فتئت تتغنى بها وتستخدمها سلعة واداة رخيصة لنزواتها وطموحاتها الداخلية لا غير ، اما العامل الثالث فلن اتحدث عنه فهو غني عن التعريف ويقوم بلعب دور كلاسيكي لأي احتلال " احلالي " في التاريخ البشري والذي كان وعلى الدوام يتسم بالعسف والغطرسة والهمجية ومتخما بحب القتل وحب العيش على انقاض و ألام ودماء الاخرين .


ما أشبه اليوم بالامس :-

واليوم مازالت تلك العوامل ماثلة في واقعنا الفلسطيني ومازالت تتفاعل لتزيد وضعنا سوءا وإن كان بعضها قد ارتدى طابعا وأثوابا جديدة ، فالإقطاع العشائري والقيادات الرجعية تحولت لإقطاع سياسي وممالك ذات طابع انتهازي تمثلها حركات واحزاب بعينها فاقمت وضعنا الفلسطيني سوءا وتفسخا وقادتنا وببرنامج هزيل وفاقد للأفق لنفق تنازلات مظلم لم يبق لنا سوى الفتات وبقع جغرافية تكاد لا تراها العين المجردة ! وايضا تصر على لعب دور الاجهاض والمحاربة للفعل المقاوم كما كان الحال لثورة 36 تحت ذرائع الوعود والعبثية والتداعيات الخطيرة لهذه المفاعيل !!!! فالآفات اذا كما هي عدم وضوح الاهداف الاستراتيجية وتغليب المصالح الحزبية والفئوية الضيقة والارتهان الخارجي أضحت قوام الحالة الفلسطينية .

أما النظم العربية فهي الأخرى حافظت على ادوارها المعهودة لكن بأنساق جديدة وأكثر تجليا من الخيانة الواضحة والتواطىء الفاضح والمشاركة في قتل هذا الشعب وحصاره ومتخلية حتى عن الغلالة التي كانت تحمي سوءتها وهي المظاهرات العسكرية والشعارات الفضفاضة في موقف يدعو للتأمل في واقع عربي مرير نهشت في جسده المخططات الامبريالية بكل قسوة .

اما العامل الثالث فهو ايضا زاد من وحشيته وغطرسته وسارع من وتيرة تنفيذ مشاريعه ومخططاته مستفيدا من واقعنا الفلسطيني الضعيف والذي يعاني من الآفات السالفة الذكر ومن الواقع العربي المتواطىء واللاهث وايضا من الدعم الامبريالي الذي يجد في العدو الصهيوني الاداة الضرورية لاستمرار السبات العربي الازم لنهب مقدراته وثرواته ، والأنكى أن هذا العدو الذي يستمر يوميا بفرض وقائع جيددة على الارض وفي نهب كل ما تقع عليه عيناه من الثروات المتبقية في ارضنا ومستفيدا من البراغماتية التفريطية لبعض القيادات الفلسطينية حتى وصلنا لأقل من 10% من ارضنا فعليا تنذر بدولة فاتيكان جديدة .


استخلاص العبر قبل فوات الاوان : -

في ضوء ما تقدم لابد من مراجعات فلسطينية شاملة على قاعدة من لا يعرف تاريخه لا يحسن صياغة مستقبله ولابد من اعادة الاعتبار لدور الكفاح المسلح والذي يتعرض لعمليات تشويه والغاء تحت ذرائع نظرية ورومانسية مستقاة من العالم الافتراضي الحر " والمعولم " ولا بد من وضع برنامج فلسطيني تتضح فيه الاهداف الاستراتيجية وتحل به الجدلية الاستراتيجية التكتيكية ولابد من اعادة زرع منظومة قيمية واصطلاحية تؤكد على ضرورة الوحدة ونبذ الخلاف وتغليب المصالح الوطنية ورفض الارتهان بالخارج والتمسك بالثوابت والحقوق وأن نستخلص العبر من التاريخ بأن المشروع المقاوم هو الكفيل بتحرير الشعوب ولنا في الثورات السابقة التي تعج بها كتب التاريخ السياسي أكبر عظة وعبرة .

واخيرا تمر ذكرى نكبتنا الواحدة والستون كسابقاتها من السنين على امل العودة واقامة الكيانية ذلك الأمل الذي بدء يأخد منحنا مختلفا هذه المرة ، فما يسترعي الاهتمام في العقد الاخير تصاعد وتيرة الصراع المحموم بين البرنامج المقاوم والبرنامج المساوم والذي سينذر في حال انتصار البرنامج المقاوم – والذي ولأول مرة تحول لمشروع متكامل خاصة على الصعيد السياسي والنيابي - إلى تغيير جذري في الواقع الفلسطيني وإلى قرب اسدال الستار عن فصول مسلسل النكبة الذي ظن البعض بأنه أزلي ! .



عامر سعد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق