17.6.09

الهباش في ضوء التحليل السياسي والسكيولوجي






خرج علينا قبل ايام المدعو محمود الهباش بتصريح صاخب ارتدى طابع الصلف والغطرسة والانتقائية الساذجة لمفردات ذات هالة و قدسية على الصعيد الوطني والايديولوجيا الدينية في وقت كان الكل الفلسطيني ينتظر خطابا مسؤولا من الفرقاء السياسين يسهم في رأب الصدع وإعادة اللحمة وعدم الاستمرار بترهات تؤدي الى ارتكاسات جديدة تزيد وضع القضية سوءا وليس لها هدف سوى اشباع النزوات العاطفية لبعض الشخوص هنا أو هناك .

لكن لم تكن هذه التصريحات مستغربة على شخص عرف بعدوانيته المشبوبة لحركة حماس ، تلك العدوانية التي لا ينكر متتبع لها بأنها تندرج في سياق الردود المرضية والناجمة عن سلوك سكيولوجي " نفسي " مضطرب فرضته الابعاد التاريخية لعلاقته بحركة حماس والتي بقيت حاضرة في ذهن هذا الرجل والمتخيل اللاشعوري له والتي رسمت جل سلوكه وخطابه السياسي للأسف ، ضاربا بعرض الحائط كل التحديات الماثلة امام شعبنا وقضيته وباستخدامه منصبه كوزير لشؤون الاجتماعية في الضفة بتنويم الناس عن تلك التحديات الجسام بخطاب ديماغوجي " عاطفي كاذب " ومال سياسي يصرف انظارهم عنها ويختزلها فقط في شتم حماس وكيفية التخلص منها 0

كما ان هذا التصريح اعاد لذهني تلك العبارات الحاذقة والبارعة الوصف لهذه النوعية من الشخوص والتي خطها المفكر الكبير فتحي يكن والاسير الاردني السابق سلطان العجلوني وكتاب آخرين في معرض حديثهم عن الفئة التي تتعرض للاقصاء من حركات معينة – بغض النظر عن الاسباب والدوافع – لتصبح مع مرور الزمن وبعد عملية الاحتواء لها من احزاب اخرى تعيش على الفتات احصنة لعرابتها المهترئة ، لكن ليت هذا الشخص برع في لعب دور الاحصنة هنا فقد كشفت رعونته عن حقيقة الطرف الذي يمثله ونواياه الحقيقية من قضية المصالحة ورافعا الستار عن وجود فصول جديدة من المؤامرة التي تحاك ضد حماس مما وضعهم في موقف حرج وسيل من الانتقادات من قبل كافة التنظيمات الفلسطينية الاخرى .


ماهية التصريحات في علم السياسة :-

لعل الجدلية التي اعقبت هذا التصريح بين طرف مقلل من شأنه وطرف يعتبره على درجة عالية من الاهمية هو ما دفعني لتبيان اهمية التصريحات في علم السياسة ومحاولة فهم تلك الجدلية وحلحلتها .

لقد أولت السياسة للغة التصريح السياسي اهمية كبيرة جدا باعتبارها مكافئة للسلوك السياسي ومعبرة عنه وايضا في حقل العلاقات العامة - احد مجالات العلوم السياسية – وفرعها الاهم الدوبلوماسية والتي تعتبر لغة التصريح السياسي حجر زاويتها ومعيار نجاحها .

ولعل تلك الاهمية لم تأت من فراغ بل كانت تعبيرا عن وعي كبير حول دور التصريح السياسي وعبر التاريخ السياسي البشري في اشعال حروب وفتن تارة وفي احداث قطيعة بين الدول تارة اخرى وفي الاطاحة بنظم سياسية واحداث انتكاسات على كافة الاصعدة بحيث اصبحت لغة التصريح السياسي وما تحمله من مدلولات كبيرة احدى أهم أركان فهم الظاهرة السياسية وتحليلها .


ابعاد ومدلولات تصريح الهباش :-

وفي ضوء ما تقدم لا بد من اخذ هذا التصريح على محمل الجد وفهم ابعاده ومدلولاته فهما دقيقا كونه يساعد على فهم ماهية السلوك الحاضر والمستقبلي للنظام القائم في الضفة حول مجمل القضايا وأهمها المصالحة الداخلية .
فالهباش باعتباره وزيرا في نظام سياسي كان يجب ان تنسجم تصريحاته واقواله مع توجهات وتصورات ذلك النظام ناهيك عن كون التصريح السياسي من قبل اي وزير يعتبر مؤشرا على طبيعة السلوك السياسي للحكومة التي يمثلها وهذا يقود الى ان التصريح الاخير والذي يدعو الى اسقاط حكم حركة حماس يحمل المدلولات الآتية :-

اولا :يؤكد على عدم اهمية الحوار وكونه خيارا تكتيكيا وليس استراتيجيا لذلك النظام ولخدمة مصالح ضيقة ومرحلية بخلاف المعلن عنه من ذلك النظام وابواقه الاعلامية باعتباره ضرورة ملحة لها انعكاساتها على القضية الفلسطينية وادوات صمودها .

ثانيا : يدلل على وجود فصول جديدة من المؤامرة التي تستهدف غزة ومن يحكمها فطبيعة الاصطفافات في المنطقة والمحاور المنبثقة عنها تختزل السلوك والممارسة السياسية فيما بينها بحالة صلح او حرب ويدلل على طبيعة الدور الذي يلعبه النظام في الضفة حيال استمرار حصار غزة والتلويح بالعصى لمن يحكمها .

ثالثا : كما ان التصريح فتح الباب على حقيقة العلاقة التي تربط الحركتي وسيادة السلوك الاحلالي والتآمري على تلك العلاقة والتي اوضح التصريح حقيقة من يقف وراء رسم تلك العلاقة بهذه الصورة القاتمة والمخجلة والقائمة والذي يتنافى مع التصريحات الرومانسية حول الوحدة والكيانية الواحدة وطبيعة العلاقة التوددية والأخوية التي يجب ان تسود بين الحركتين وخاصة من طرف النظام القابع في رام الله .

رابعا : إن التصريح جاء في مقابلة مع إذاعة صهيونية مما يؤكد الدور الصهيوني الهام والفاعل في استمرار الانقسام وايضا باعتباره السيد الذي يجب أن تقدم أمامه فروض الطاعة للقبول السياسي والانطلوجي " الوجودي "لأي شخص أو فئة سياسية في النظام القائم في الضفة .


مستقبل الحالة الفلسطينية عقب هذا التصريح :-

لعل هذا التصريح فتح الباب على مصراعيه أمام المزيد من الاحتقانات الداخلية وتأجيج الوضع الداخلي وزيادة الهوة وإدامة الانقسام الجيوبولتيكي بين شقي الوطن مما يخدم المحتل وسياساته الرامية لإدامة هذا الانقسام , ناهيك عن دوره الكبير في التعبئة السلبية والتي ستؤدي الى صعوبة انهاء تفسخ النسيج الاجتماعي واستمرار الحرب الاعلامية والتي لها انعاكسات سلبية على صورة هذا الشعب اقليميا ودوليا ويفقده الهالة والتأييد الكبيرين اللذين حظي بها شعبنا على مدار تاريخ نضاله الممتدة لعقود .

وأخيراً أقول لا بد لعقلاء " النظام القائم في الضفة " أن يلجموا النزوات العاطفية لهذا الشخص بنظرات العقول والحاجة الماسة لإعادة اللحمة والتي بدونها سيصعب اعادة الحقوق الفلسطينية وإقامة الدولة المنشودة والصمود أمام التحديات الجسام وأهمها الحكومة الصهيونية اليمينية والتي تسعى بكل قواها لطمس الهوية السياسية والحضارية لشعبنا .




عامر سعد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق